كذلك قوله: ﴿مَّا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلاَّ رَسُولٌ﴾ [المائدة: ٧٥]. أي: لا يتعدى ذلك الوصف إلى الإلوهية لأن الواقعة التي نزلت الآيات في شأنها تدل على ماذا؟ على أنهم قد وصفوه بالإلوهية، والرسالة لا تقتضي ذلك يعني لا يتعدى المتعدي من الرسالة إلى إثبات الإلوهية لعيسى عليه السلام.
والثاني: الذي هو قصر الصفة على الموصوف عكس الأول، قد يكون حقيقيًّا وقد يكون مجازيًّا، حقيقيًّا نحو لا إله إلا الله هذا قصر الصفة على الموصوف لا إله إلا الله أي الموصوف هنا بعد إلا؟ الله ما هي الصفة؟ الإلوهية مقصورة أو لا؟ مقصورة لا شك، قصر الصفة على الموصوف قصر ماذا؟ الصفة على الموصوف [نعم] الصفة التي هي الإلوهية مقصورة ومحصورة في الإله الحق وهو الرب جل وعلا ومنفية عن ما عداه ولا إشكال واضح هذا.
ومجازيًا نحو قوله تعالى - على رأي الشافعي -: ﴿قُل لاَّ أَجِدُ فِي مَا أُوْحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَن يَكُونَ مَيْتَةً﴾ [الأنعام: ١٤٥]... إلى آخر الآيات ﴿قُل لاَّ أَجِدُ﴾ ﴿إِلاَّ﴾ لأن النفي ليس مقصورًا بما، بل كل ما يؤدي النفي إذا كان في جوابه إلا، هذه فيها قصر المحرمات المذكورات أليس كذلك؟ لكن ليس هذا مراد، ودائمًا الذي يحق الحق الحقيقي هو النظر إلى سبب النزول ومعنى الآية وما سيقت الآية من أجله.
قال الشافعي رحمه الله تعالى في هذه الآيات: إن الكفار لما كانوا يُحلون الميتة، والدم، ولحم الخنزير، وما أُهل لغير الله به وكانوا يُحرمون كثيرًا من المباحات أحلوا هذه المذكورات وهي محرمات وحرموا كثيرًا من المباحات نزلت الآية مسوقة بذكر شبههم في البَحيرة والسائبة والوصيلة... إلى آخره، وكان الغرض إبانة كذبهم. فكأنه قال: لا حرام إلا ما أحللتموه. وهم قد أحلوا هذه المذكورات فحينئذ هذا الحصر إنما المراد به رد الشبه وتكذيب الكفار الذين أحلوا الميتة وما عطف عليه أي: ما حرام إلا ما أحللتموه. فحينئذٍ لا يكون من باب الحصر لا يلزم منه إذا جاءت تحريم «كل ذي ناب من السباع». وغيره نقول: هذا مصروف بحصر هذه الآية. نقول: لا، الحصر هنا حصر مجازي إيضاحي وليس المراد أن ما عدا هذه المذكورات فهو مباح أو مكروه، لا، وإنما نذكره كما ذكر الشافعي هنا فكأنه قال: لا حرام إلا ما أحللتموه. والغرض الرد عليهم المضادة للحصر الحقيقي.
وينقسم أيضًا باعتبار آخر القصر والحصر إلى ثلاثة أقسام:
قصر إفراد.
وقصر قلب.
وقصر تعيين.
فقصر الإفراد: هذا يُخَاطَب به من؟ من يعتقد الشَّرِكَة قصر إفراد يعتقد الشَّرِكَة فتخاطبه بقصر الإفراد، إذًا القصر يتنوع قصر إفراد ويخاطب به من يعتقد الشَّرِكَة نحو ﴿إِنَّمَا اللهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ﴾ [النساء: ١٧١] نقول: هذا قصر إفراد. خُوطِب به من يعتقد إشتراك الله تعالى والأصنام في الإلوهية يعتقد أن الإلوهية مشتركة يعني: لو كان المخاطب يعتقد الشَّرِكَة في الإلوهية بين الرب جل وعلا وبين الأصنام فقيل له: ﴿إِنَّمَا اللهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ﴾. يعني: أَفْرِدْ اعتقد إفراد الإلوهية وأنها مختصة بالرب جل وعلا، إذًا المخاطب يعتقد الشركة وتأتي بقصر الإفراد.