واحد القصور صحيح هكذا في ((مختار الصحاح)) قال: القصر واحد القصور. لكن ليس كل ما أطلق القصر المراد به واحد القصور، إنما يختلف وهذا يدل على أن الألفاظ استُعملت في لغة العرب ولكلٍّ معنى خاص، فاللفظ لهو معنى يبحث عنه في المعاجم حينئذٍ تأخذ المعنى الذي تُريد مع تطبيقه على لفظه الذي وُضِعَ له فتركبه في كلام مفيد، أليس كذلك؟ ودعوى أن اللفظ ليس له حقيقة إلا بالتركيب هذه يردها الواقع.
النوع السادس من العقد السادس: القصر. ويقال له: الحصر. القصر والحصر اثنان لمسمى واحد، الْقَصْرُ بفتح وسكون فَعْل قَصَرَ يَقْصُرُ قَصْرًا مصدر إذًا صار.
القَصْر في اللغة: الحبس. القصر: الحبس، ومنه قوله: ﴿حُورٌ مَّقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ﴾ [الرحمن: ٧٢]. ﴿حُورٌ مَّقْصُورَاتٌ﴾ يعني محبوسات. ومنه سمي المقصور مقصورًا عند النحاة لحبسه عن الحركات أو منعه عن الحركة.
واصطلاحًا: هو تخصيص أمرٍ بآخر بطريق مخصوص، يعني: القصر له طرق محفوظة في لغة العرب إذا أردت القصر والحصر فلا بد أن تأتي به على طريقة مخصوصة، وحقيقته تخصيص أمر بأمر أن تخص وتحصر أمر بأمر معين كما إذا قلت: ﴿وَمَا مُحَمَّدٌ﴾ [آل عمران: ١٤٤]. أو الآية ﴿وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ﴾ هذا فيه قصر وحصر ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ﴾ [الفاتحة: ٥] هذا فيه قصر وحصر بطريق مخصوص، وعلى التعريف المشهور عندهم أن الحصر أو القصر إثبات الحكم للمذكور ونفيه عن ما عداه، وهذا واضح أوضح من الأول، إثبات الحكم للمذكور ونفيه عن ما عداه ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ﴾ هذا فيه إثبات الحكم وهو ثبوت العبودية أو إثبات العبودية للمذكور وهو الرب جل وعلا الإله، ونفيها عن ما عداه، إذًا إثبات ونفي هذا هو القصر تخصيص أمر بآخر خَصَّصْتَ أو خُصَّ الرب جل وعلا بتوجه العبد بالعبودية والتعبد له وهو المعبود الواحد الحق، إثبات الحكم للمذكور ونفيه عن ما عداه هذا هو حقيقة القصر والحصر، وله أدوات وطرق كثيرة جدًا لكن أشهرها أربعة أو خمسة منها: النفي، والاستثناء. يعني: أداة إلا، ما وإلا إذا ركبتا معًا فهذا أعلى صيغ الحصر أعلاها جدًا مطلقًا لا يعلوها شيء ﴿وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا اللَّهُ﴾ [ص: ٦٥] هذا أعجز ﴿وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ﴾ [آل عمران: ١٤٤] نقول: هذا أعلى صيغ الحصر، النفي والاستثناء ﴿وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ﴾.
ومنها: إنما. «إنما الأعمال بالنيات». حصر وقصر ﴿إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ﴾ حصر وقصر لأنه أي ما حرم إلا ذلك دون ما ادعوه من البحيرة والسائبة ونحوهما ﴿إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ﴾ حرم الميتة دون ما ادعوه من البحيرة والسائبة ونحوهما.
ومنها: التقديم. يعني تقديم ما حقه التأخير. ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾ [الفاتحة: ٥] نقول: هذا فيه حصر وقصر. زيدٌ ضربتُ ﴿فَرِيقاً هَدَى﴾ [الأعراف: ٣٠]، ﴿وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً﴾ [الأحزاب: ٤٣] نقول: فيه قصر وحصر. تقديم ما حقه التأخير لأن العامل رتبته مقدمة والمعمول رتبته مؤخرة.
ومنها: غير. لفظ غير ﴿هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ﴾ [فاطر: ٣] لا، لا أحد، هذا نقول: فيه حصر وقصر.