إذًا اقتصر على السورة لأنه لم يكن في القرآن آية مفردة بل الآية تستلزم مناسبة لِمَا قبلها وما بعدها (بِسُورَةٍ) قلنا: هذا يقتضي أنه لا أقل منها قوله تعالى: ﴿فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِّثْلِهِ﴾ [الطور: ٣٤]. بحديث تحداهم أولاً بأن يأتوا بمثل القرآن ﴿قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ﴾ [الإسراء: ٨٨]، ﴿قُلْ فَأْتُواْ بِعَشْرِ سُوَرٍ﴾... [هود: ١٣]، ﴿قُلْ فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّثْلِهِ﴾ [يونس: ٣٨]، ﴿فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ﴾ [البقرة: ٢٣] هذا واضح لا إشكال ﴿فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِّثْلِهِ﴾ [الطور: ٣٤] قال الزركشي رحمه الله: هذه يقتضي الإعجاز بآية. لأنها حديث أليس كذلك قلت: لم يرد التحدي بالآية صريحًا وإنما جاء ضمنًا وهو داخل في قوله: ﴿فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِّثْلِهِ﴾ [الطور: ٣٤]. لأنه يشمل الآية، بل قال بعضهم: إن الإعجاز يكون بجملة يعني: بعض آية وليس بآية فقط، وإنما يكون بجملة جملة مركبة من مبتدأ وخبر وفعل وفاعلها أو نائبه وهذا أيضًا يستقيم مع ماذا؟ مع القول بكونه لم يصرح بالتحدي بآية والسبب في ذلك أنه لا آية مفردة وكذلك لا جملة مفردة فنقول: لم يرد التصريح بالتحدي بالآية لا لكونها ليست معجزة، لا، بل القرآن كله معجز لكنه بعضه معجز بذاته فيما لو انفرد عن غيره كسورة البقرة مثلاً كاملة أو عشر آيات كاملة أو سورة أكثر من ثلاث آيات تقول هذه معجزة بذاتها فيما لو لم تنضم إلى غيرها، ومنه ما هو معجز بالانضمام إلى غيره وهو الآية والجملة.
إذًا لا يخرج القول بكون الآية ليست معجزة لا يخرج عن كون القرآن معجزًا بل نقول: كله معجز. لماذا؟
لأن القرآن جاء متحديًا لمن اتصف بأعلى درجات الفصاحة حينئذ لا يعجز أن يأتي بكلمة واحدة، وقد وردت آية واحدة في القرآن بكلمة واحدة وهي: ﴿مُدْهَامَّتَانِ﴾ [الرحمن: ٦٤]. قال بعضهم: لا يوجد غيرها ﴿مُدْهَامَّتَانِ﴾. والغريب أن السيوطي رحمه الله مثل بقوله: ﴿وَالضُّحَى﴾ [الضحى: ١]. أنه كلمة واحد ﴿وَالْعَصْرِ﴾ [العصر: ١]، ﴿وَالْفَجْرِ﴾ [الفجر: ١] أنه كلمة واحدة وهذا مثال صحيح؟!
ليس بصحيح لماذا؟ لأنها جملة وليس بكلمة ولا كلمتين ﴿وَالضُّحَى﴾ هذه جملة ﴿وَالْعَصْرِ﴾ هذه جملة فعلية ﴿وَالْفَجْرِ﴾ تقول هذه جملة فعلية لماذا؟ لأن أصلها أقسم بالضحى، أقسم بالفجر هذا الأصل فيها ونابت الواو مناب فعل القسم لذلك لا يجوز الجمع بينها وبين فعل القسم. إذًا نقول: عجبنا من السيوطي مع كونها نحويًا إلا أنه مثل في التحبير بكلمة واحدة وهي قوله: ﴿وَالضُّحَى﴾. والصواب أنه يقال: ﴿مُدْهَامَّتَانِ﴾. كلمة واحدة في آية قيل: لا يوجد غيرها أما ﴿ثُمَّ نَظَرَ﴾ [المدثر: ٢١] هذه جملة ثم حرف عطف على ونظر هو المركب من فعل فاعل فيكون جملة ولا يكون كلمة واحدة.