إذًا التام هو ما تم به الكلام وليس لما بعده تعلق بما قبله لا من جهة اللفظ ولا من جهة المعنى فيحسن الوقف عليه والابتداء بما بعده يعني: لا يُستحب أن ترجع إلى الكلمة أو ما قبلها فتعيدها مع ما بعدها، لماذا؟ لأن الكلمة التي وقفت عليها ثم أردت أن تبتدئ بما بعدها ما بعدها لا ارتباط له لا من جهة اللفظ ولا من جهة المعنى وهذا إذا أردنا أن نذكر له قاعدة قالوا: أكثر ما يوجد في رؤوس الآي ﴿الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ * مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ﴾ [الفاتحة: ١ - ٣] كل وقف هنا قالوا: هذا وقف تام لماذا؟ لأن ﴿الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ﴾ لا ارتباط لها من جهة اللفظ ولا من جهة المعنى هكذا مثلوا بهذا بما قبلها و ﴿مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ﴾ كذلك لا ارتباط لها لا من جهة اللفظ ولا من جهة المعنى وأكثر ما يوجد عند رؤوس الآي غالبًا... ﴿وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ سَوَاءٌ﴾ [البقرة: ٥، ٦]، ﴿وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ وقفت على رأس الآية وهذا هو الأصل وهو السنة حينئذٍ ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ﴾ نقول: هذه لا ارتباط لها لماذا؟ لا من جهة اللفظ ولا من جهة المعنى لكن الأولى أن يقال المثال بالفاتحة فيه نظر وهذا المثال أولى لماذا؟ لأنه ذكر أوصاف المؤمنين وانتهى عند قوله: ﴿وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾. ثم شرع في بيان أقسام القسم الثاني قسم الأمم إلى ثلاثة أقسام: كفار خُلص، مؤمنون خُلص، ومنافقون ظاهرهم الإيمان وباطنهم الكفران. فلما أنهى ﴿وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ انتهى من ذكر المؤمنين الخلص فحينئذٍ الوقف على هذا ثم الشروع ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ﴾ نقول: هذا وقف تام لأنه قوله: ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ﴾ نقول: هذا لا ارتباط له بما قبله لا من جهة اللفظ ولا من جهة المعنى، لكن المعنى أيضًا هنا لا بد من وجود المعنى لأن ذكر الضد بالضد هذا معنى لأنه ذكر المؤمنين أولاً ثم ذكر الكافرين وهنا المراد به ماذا؟ المراد المعنى الذي يترتب عليه ما ترتب على الحسن أو القبيح هنا يعني: ارتباط الشديد ارتباط الصفة بالموصوف ارتباط الجار والمجرور بمتعلقه ارتباط الظرف المتعلق بهذا المراد وإلا لا يمكن أن تنفك آية مستقلة أبدًا إلا وبينها مناسبة ولذلك من أين جاء العلم المستقل عندهم تناسب الآيات وتناسب السور، بل جعلوا آخر آية من السورة لها مناسبة مع أول السورة التي تليها وهي منفكة يعني أظهر ما يمكن أن يمثل به بالانفكاك هو آخر آية في السورة مع أول آية في السورة التي تليها هذا أولى ما يمثل به ومع ذلك وجود مناسبات بينهم (اوْ تَمَامِ) إذًا وأكثر ما يوجد عند رؤوس الآي غالبًا وذكرنا المثال، ويوجد في أثنائها كقوله تعالى: ﴿وَجَعَلُوا﴾ حكايته عن بلقيس ﴿وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً﴾ [النمل: ٣٤].


الصفحة التالية
Icon