المجاز، وما عطلت الصفات العلي لله جل وعلا وحرفت إلا بدعوى المجاز، فقطع هذا الباب، وسده أسلم للشريعة، وأقوم للملة.
ثالثا: أدلة المانعين منه في القرآن ومناقشتهم للمخالفين.
من ذلك إضافة إلى ما سبق: أننا لو أثبتنا المجاز في القرآن لصح أن نطلق
على الله سبحانه اسم متجوز ومستعير وهذا لا يصح لأن أسماء الله توقيفية، كما أن
دعواهم في القرآن بضرب الأمثلة المعروفة غير صحيحة، فالآيات والأمثلة التي ذكروها لا مجاز فيها، وإنما هي أساليب استعملتها العرب، ومعان حقيقية جاءت بها اللغة، فمثلا قوله تعالى ﴿وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ﴾ فيه حذف مضاف، وحذف المضاف وإقامة المضاف إليه مقامه، أسلوب من أساليب العربية معروف (١)، لأنه مما يعلم وحذف ما علم جائز كما قرره علماء العربية.
وأيضا: فإن العرب استعملت لفظ القرية ونحوه من الألفاظ التي فيها الحال والمحل، وهما داخلان في الاسم، كالمدينة والنهر، والميزاب وغيرها، وأطلقت هذه الألفاظ تارة على المحل، وهو المكان، وتارة على الحال وهو السكان، وهذا أسلوب مشهور من أساليب العربية، فيقولون: حفر النهر، يريدون المحل، وجرى النهر، وهو الماء ووضعت والميزاب وهو المحل، وجرى والميزاب وهو الماء، ونحو ذلك (٢)، ونظيره هذا المثال، ﴿وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ﴾ فقد جاء استعمال العرب لها تارة للمكان، وتارة للسكان، وقد جاء القرآن بذلك كله، قال تعالى: ﴿وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا فَجَاءَهَا بَأْسُنَا بَيَاتًا أَوْ هُمْ قَائِلُونَ فَمَا كَانَ دَعْوَاهُمْ إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا إِلَّا أَنْ قَالُوا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ﴾، وقال في آية أخرى: ﴿وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ هِيَ أَشَدُّ قُوَّةً مِنْ قَرْيَتِكَ الَّتِي أَخْرَجَتْكَ أَهْلَكْنَاهُمْ فَلَا نَاصِرَ لَهُمْ﴾، فالمراد بالقرية هنا السكان، وكذلك قوله تعالى: ﴿وَتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا﴾، والمراد السكان.
وقد أطلق لفظ القرية، وأريد به المكان، قال تعالى: ﴿أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ﴾ الآية.
(٢) - انظر: ٧/ ١١٢ - ١١٣ من الفتاوى، ص١٠٨ من الإيمان، ٢٠/ ٢٦٣ من الفتاوى. والأسلوب الآتي في رسالتنا برقم (١٦٢).