والذي يظهر لي إذا دون تعصب، ولا تقليد رجحان القول بعدم المجاز، لاسيما في كتاب الله عز وجل وسنة رسوله - ﷺ -، لقوة أدلة المانعين، وضعف أدلة المجيزين مما ورد عليها من المناقشات القوية، التي أوهنتها.
ولما يلزم على القول بالجواز المطلق من لوازم غير سديدة، كتعطيل صفات الكمال لله جل وعلا بحجة المجاز وتأويل النصوص على حسب الأهواء بهذه الحجة، ولعدم الضوابط السليمة التي يعرف بها ما قسموه، مما يوهن القول به، ولما يترتب على التفريق بين ما قسموه، من جواز نفي بعض كلمات القرآن والسنة، لأن المجاز يجوز نفيه وهذا باطل قطعا، ونحو ذلك مما تقدم عند أدلة المانعين، ومناقشتهم للمجيزين فيصار إلى القول بأن ما سموه بالمجاز يسمى أسلوبا من أساليب العرب المشهورة، التي درجت عليها وعرفت عنها، فالحاصل أن الراجح هو التفصيل والقول بجواز المجاز بالضوابط الشرعية، فما يتعلق بالاعتقاد والصفات وكلام الله فلا مجاز فيه بل كله حقيقة، أما المجاز فيما دون ذلك فأمره يسير بحمد الله (١).
المبحث الثالث: هل للخلاف في المجاز ثمرة؟
بعد عرض الخلاف في المسألة ظهر لي أن الخلاف بين المانعين، والمجيزين خلاف حقيقي ليس لفظيا، وإن لم يترتب عليه كبير فائدة في الفروع بشرط ألا يتخذ القول بالمجاز ذريعة لتعطيل شيء مما جاء به الشرع، فالأمثلة السابقة المضروبة لهذه المسألة، يطلق عليها المجيزون مجازاً، ويطلق عليها المانعون أساليب عربية،

(١) - قلت - المؤلف-: ولا أرى لهذا التفريق وجه، بل الراجح هو القول بالمنع مطلقاً في اللغة، والقرآن، والسنة، وأن كل ما يسميه القائلون بالمجاز مجازاً إنما هو أسلوب تكلمت به العرب، وهذه الأساليب لا يجوز نفيها، وعلى هذا، فلا يمكن إثبات مجاز في اللغة العربية أصلاً كما ذكر ذلك العلامة ابن تيمية، وابن القيم، والشنقيطي - رحمهم الله - وسوف يأتي قريباً - بمشيئة الله تعالى - زيادة بيان لهذه الأساليب، وأمثلة أخرى عليها.


الصفحة التالية
Icon