إذا آباؤنا وأبوك عدوا......... أبان المقرفات من العراب
أي إذا آباؤنا وآباؤك عدواً، وهذا البيت، والذي قبله يحتمل أن يراد بهما جمع التصحيح للأب وللأخ، فيكون الأصل: أبون وأخون فحذفت النون للإضافة، فصار كلفظ المفرد.
ومن أمثلته جمع التصحيح في جمع الأخ بيت عقيل بن علفة المذكور آنفاً، حيث قال فيه:... كشر بني الأخينا.
ومن أمثلة تصحيح جمع الأب قول الآخر:
فلما تبين أصواتنا......... بكين وفديننا بالأبينا
ومن أمثلة ذلك في القرآن: واللفظ معرف بالألف واللام قوله تعالى: ﴿وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ﴾ أي بالكتب كلها، بدليل قوله ﴿كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ﴾ الآية، وقوله ﴿وَقُلْ آمَنتُ بِمَآ أَنزَلَ اللَّهُ مِن كِتَابٍ﴾ وقوله تعالى ﴿أولئك يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُواْ﴾ أي الغرف بدليل قوله ﴿لَهُمْ غُرَفٌ مِّن فَوْقِهَا غُرَفٌ مَّبْنِيَّةٌ﴾ وقوله ﴿وَهُمْ فِى الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ﴾: وقوله تعالى ﴿وَجَآءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفّاً﴾: أي الملائكة بدليل قوله: ﴿هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَن يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِّنَ الْغَمَامِ وَالْمَلَائِكَةُ﴾: وقوله تعالى ﴿سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ﴾: أي الأدبار بدليل قوله تعالى: ﴿فَلاَ تُوَلُّوهُمُ الأَدْبَارَ﴾ وقوله تعالى: ﴿أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُواْ عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَآءِ﴾: أي الأطفال: وقوله تعالى ﴿هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ﴾ أي الأعداء، ونحو هذا كثير في القرآن، وفي كلام العرب: وهو في النعت بالمصدر مطرد، كما تقدم مراراً.
ومن أمثلة ذلك قول زهير:
متى يَشْتَجِر قومٌ يقل سرواتهم......... هم بيننا هم رضى وهم عدل
أي عدول مرضيون.] (١)

(١) - (٥/ ٢٩ - ٣٢) (الحج/٥)، وانظر أيضاً المواضع التالية: (١/ ٤٨) (البقرة/٣٠)، (٥/ ٧٨٢) (المؤمنون/١٢: ١٤)، (٧/ ١٨٣) (الشورى/١٧)، (٧/ ٢٥١) (الزخرف/٣٣: ٣٥)، (٧/ ٦٦١) (الذاريات / ١: ٦)، (٧/ ٦٩٩ - ٧٠٠) (النجم / ١: ٤)، (٧/ ٧١٤) (النجم/٥٣)، (٧/ ٧٣٠) (القمر/٥٤). وقال الثعالبي في سر العربية (ص/٣٥٢): [فصل في إقامة الواحد مُقام الجمع - هي من سنن العرب إذ تقول: قَرَرْنا به عيناً، أي أعيننا. وفي القرآن: "فإن طِبْنَ لكُم عن شيءٍ منهُ نَفْساً"، وقال جلّ ذِكره: "ثمَّ يُخْرِجُكُم طِفْلا" أي أطفالا، وقال تعالى: "وكم من مَلَكٍ في السَّمواتِ لا تُغني شَفاعَتُهم شيئاً"، وتقديره: وكم من ملائكة في السموات، وقال عزّ من قائل: "فَإنَّهُم عدوٌ لي إلا رَبَّ العالَمين". وقال: "هؤلاء ضَيفي"، ولم يقل: أعدائي ولا أضيافي. وقال جلّ جلاله: "لا نُفَرِّقُ بينَ أحَدٍ منهم"، والتفريق لا يكون إلا بين اثنين، والتقدير: لا نُفَرِّق بينهم، وقال: "يا أيُها النَّبيُّ إذا طَلَّقْتُمُ النِّساء". وقال: "وإنْ كُنْتُم جُنُباً فاطَّهَروا". وقال: "والمَلائكَةُ بَعْدَ ذلك ظَهِير".
ومن هذا الباب سنة العرب أن يقولوا للرجل العظيم والملك الكبير: انظروا من أمري، ولأنّ السادة والملوك يقولون: نحن فعلنا وإنّا أمَرنا، فعلى قضيَّة هذا الابتداء يخاطِبون في الجواب، كما قال تعالى عمّن حضَرَه الموت: "رَبِّ ارْجِعون".]


الصفحة التالية
Icon