٦٥ - تطلق الإرادة على المقاربة والميل إلى الشيء.
[قوله تعالى: ﴿فَوَجَدَا فِيهَا جِدَاراً يُرِيدُ أَن يَنقَضَّ فَأَقَامَهُ﴾ (١). هذه الآية
الكريمة من أكبر الأدلة التي يستدل بها القائلون: بأن المجاز في القرآن، زاعمين أن إرادة الجدار الانقضاض لا يمكن أن تكون حقيقة، وإنما هي مجاز، وقد دلت آيات من كتاب الله على أنه لا مانع من كون إرادة الجدار حقيقة، لأن الله تعالى يعلم للجمادات إرادات وأفعالاً وأقوالاً لا يدركها الخلق كما صرح تعالى بأنه يعلم من ذلك ما لا يعلمه خلقه في قوله جل وعلا: ﴿وَإِن مِّن شَىْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدَهِ وَلكن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ﴾ فصرح بأننا لا نفقه تسبيحهم، وتسبيحهم واقع عن إرادة لهم يعلمها هو جل وعلا، ونحن لا نعلمها. وأمثال ذلك كثيرة في القرآن والسنة...
وزعم من لا علم عنده أن هذه الأمور لا حقيقة لها، وإنما هي ضرب أمثال زعم باطل؛ لأن نصوص الكتاب، والسنة لا يجوز صرفها عن معناها الواضح المتبادر إلا بدليل يجب الرجوع إليه. وأمثال هذا كثيرة جداً. وبذلك تعلم أنه لا مانع من إبقاء إرادة الجدار على حقيقتها لإمكان أن يكون الله علم منه إرادة الانقضاض، وإن لم يعلم خلقه تلك الإرادة. وهذا واضح جداً كما ترى، مع أنه من الأساليب العربية إطلاق الإرادة على المقاربة والميل إلى الشيء. كما في قول الشاعر:
يريد الرمح صدر أبي براء......... ويعدل عن دماء بني عقيل
أي يميل إلى صدر أبي براء. وكقول راعي نمير:
في مهمه قلقت بها هامتها......... قلق الفؤوس إذا أردن نضولا
فقوله «إذا أردن نضولا» أي قاربنه. وقول الآخر:
إن دهراً يلف شملي بجمل......... لزمان يهم بالإحسان
فقوله «لزمان يهم بالإحسان» أي يقع الإحسان فيه.] (٢).
(٢) - (٤/ ١٩٥) (الكهف/٧٧)، (٤/ ٣٧٧) (مريم٧٠، ٧١).