بعض أهل العلم: «لا» في قوله: ﴿أَلاَّ تَتَّبِعَنِ﴾ زائدة للتوكيد. واستدل من قال ذلك بقوله تعالى في «الأعراف»: ﴿قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ﴾ قال لأن المراد: ما منعك أن تسجد إذ أمرتك. بدليل قوله في القصة بعينها في سورة «ص»: ﴿قَالَ ياإِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَىَّ﴾. فحذف لفظة «لا» في «ص» مع ثبوتها في «الأعراف» والمعنى واحد. فدل ذلك على أنها مزيدة للتوكيد.
قال مقيده عفا الله عنه وغفر له: قد عرف في اللغة العربية أن زيادة لفظة «لا» في الكلام الذي فيه معنى الجحد لتوكيده مطردة. كقوله هنا: ﴿مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّواْأَلاَّ تَتَّبِعَنِ﴾ أي ما منعك أن تتبعني، وقوله: ﴿مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ﴾ بدليل قوله في «ص»: ﴿مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَىَّ﴾، وقوله تعالى: ﴿لِّئَلاَّ يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَلاَّ يَقْدِرُونَ عَلَى شَىْءٍ مِّن فَضْلِ اللَّهِ﴾. أي ليعلم أهل الكتاب، وقوله ﴿فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ﴾ إي فوربك لا يؤمنون، وقوله: ﴿وَلاَ تَسْتَوِى الْحَسَنَةُ وَلاَ السَّيِّئَةُ﴾ أي والسيئة، وقوله: ﴿وَحَرَامٌ عَلَى قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَآ أَنَّهُمْ لاَ يَرْجِعُونَ﴾ على أحد القولين، وقوله: ﴿وَمَا يُشْعِرُكُمْ أَنَّهَآ إِذَا جَآءَتْ لاَ يُؤْمِنُونَ﴾ على أحد القولين، وقوله: ﴿قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُواْ﴾ على أحد الأقوال فيها.
ونظير ذلك من كلام العرب قول امرئ القيس:
فلا وأبيك ابنة العامري......... لا يدعي القوم أني أفر
يعني فو أبيك. وقول أبي النجم:
فما ألوم البيض ألا تسخرا......... لما رأين الشمط القفندرا
يعني أن تسخر، وقول الآخر:
ما كان يرضى رسول الله دينهم......... والأطيبان أبو بكر ولا عمر
يعني وعمر. وقول الآخر:
وتلحينني في اللهو ألا أحبه......... وللهو داع دائب غير غافل
يعني أن أحبه، و «لا» مزيدة في جميع الأبيات لتوكيد الجحد فيها.
وقال الفراء: إنها لا تزاد إلا في الكلام الذي فيه معنى الجحد كالأمثلة المتقدمة. والمراد بالجحد النفي وما يشبه كالمنع في قوله: ﴿مَا مَنَعَكَ﴾ ونحو ذلك.
والذي يظهر لنا والله تعالى أعلم: أن زيادة لفظة «لا» لتوكيد الكلام وتقويته


الصفحة التالية
Icon