﴿إِلاَّ الَّذِينَ يَصِلُونَ﴾ يحتمون ويلجأون ﴿إِلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِّيثَاقٌ﴾
عهد ﴿أَوْ جَآءُوكُمْ﴾ مسالمين ﴿حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ﴾ ضاقت. والحصر: الضيق والانقباض ﴿إِلاَّ الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلَى قَوْمٍ﴾ الذين أسلموا وانضموا إلى زمرتكم ﴿وَأَلْقَوْاْ إِلَيْكُمُ السَّلَمَ﴾ الانقياد والاستسلام ﴿فَمَا جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلاً﴾ طريقاً للقتال؛ لأنهم لم يقاتلوكم وجاءوكم مسالمين
﴿كُلَّ مَا رُدُّواْ إِلَى الْفِتْنِةِ﴾ أي كلما دعوا إلى الشرك ﴿أُرْكِسُواْ فِيِهَا﴾ قلبوا فيها ﴿وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثِقِفْتُمُوهُمْ﴾ صادفتموهم ﴿وَأُوْلَئِكُمْ جَعَلْنَا لَكُمْ عَلَيْهِمْ سُلْطَاناً مُّبِيناً﴾ تسلطاً قوياً، وحجة ظاهرة في قتلهم. وبعد أن أباح الله تعالى قتل الكافرين المحاربين المخادعين: نهى عن قتل المؤمنين. قال تعالى:
﴿وَمَا كَانَ﴾ ما صح وما جاز ﴿لِمُؤْمِنٍ أَن يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلاَّ خَطَئاً﴾ أي بغير تعمد ﴿وَمَن قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَئاً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ﴾ أي فعليه إعتاق رقبة مؤمنة؛ لأنه لما أخرج نفساً مؤمنة من جملة الأحياء؛ لزمه أن يدخل نفساً مثلها في جملة الأحرار؛ إذ أن إطلاقها من قيد الرق كإحيائها. وللرق حدود وواجبات مفصلة في كتب الحديث والفقه. وللعبد الرقيق في الإسلام من الحقوق ما ليس للأحرار في الأمم الأخرى؛ وليس أدل على ذلك من قوله تعالى: ﴿فَمَا الَّذِينَ فُضِّلُواْ بِرَآدِّي رِزْقِهِمْ عَلَى مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَهُمْ فِيهِ سَوَآءٌ﴾ وقول الرسول الكريم صلوات الله تعالى وسلامه عليه في مرضه الذي مات فيه «الصلاة الصلاة وما ملكت أيمانكم؛ لا تكلفوهم ما لا يطيقون» ومن يطلع على معاملة الزنوج بأمريكا يتضح له جلياً صحة ما نقول. وها هي الأمم الغربية تحرم استرقاق العبيد؛ في حين أنها تسترق الأحرار. وتحرم استرقاق الأفراد، وتسترق الجماعات والأمم والشعوب؛ باسم الاستعمار، والانتداب، والاحتلال، ومناطق النفوذ (انظر آيتي ١٧٧ من سورة البقرة، و٧صلى الله عليه وسلّم من سورة النحل)
﴿إِلاَّ أَن يَصَّدَّقُواْ﴾ أي إلا أن يتصدق أهل القتيل بالدية للقاتل؛ فلا يطالبونه بها ﴿فَمَن لَّمْ يَجِدْ﴾ أي لم يملك رقبة، ولا ما يتوصل به إليها من مال ونحوه ﴿فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ﴾ مكان الإعتاق ﴿تَوْبَةً مِّنَ اللَّهِ﴾ تجاوزاً منه للتخفيف عليكم
﴿وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُّتَعَمِّداً﴾ قاصداً قتله ﴿فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ﴾ لا جزاء له غيرها ﴿خَالِداً فِيهَا﴾ خلوداً مؤبداً؛ يدل عليه ما بعده من غضب الله تعالى عليه ولعنه، وإعداد أشق العذاب وأعظمه له وقول الرسول صلوات الله تعالى وسلامه عليه: «لزوال الدنيا أهون على الله من قتل امرىء مسلم» وقال الأكثرون: المراد بالخلود
-[١١٠]- في سائر الآيات: طول المكث. وهو معنى لا يستقيم مع صريح لفظ الكتاب الكريم؛ فقد أخبرنا الله تعالى - بما يبلغ حد اليقين - بأن خلود الكافرين على وجه التأبيد؛ قال تعالى: ﴿وَمَا هُم بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ﴾ ﴿وَلَهُمْ عَذَابٌ مُّقِيمٌ﴾ (انظر آية ٢٥٥ من سورة البقرة)