(ن)
للضعف؛ وقد نهاهم الله عنه، وركنوا للنفاق؛ وقد توعدهم الله عليه! وصار دينهم الجري وراء المادة؛ وهي مطغية، والسعي وراء الشهوات، وهي مردية!
فكل قول يقولونه، وكل عمل يعملونه: لا يريدون به وجه الله؛ بل يريدون به المنفعة الشخصية؛ فكأنما باعوا أخراهم بدنياهم، واشتروا رضا الناس بسخط مولاهم؛ ففازوا في الحالتين بالعقوبتين: خزي الدنيا وعذاب الآخرة! وقديماً الشاعر:

وابغ رضا الله؛ فأغبى الورى من أغضب المولى، و أرضى العبيد!
ولكني -علم الله- لم أبغ فيما كتبت سوى رضا الله! لأنه تعالى هو وحده المعطي المانع، الخافض الرافع، المعز المذل، الغفور الرحيم!
وها هو ذا -أيها المؤمن- بين يديك؛ فإن راقك كله؛ فلله الحمد والمنة، والفضل والنعمة! وإن أعجبك بعضه ولم يعجبك بعضه؛ فلعلي أكون ممن خلطوا عملاً صالحاً وآخر سيئاً عسى الله أن يتوب عليهم! وإن لم يعجبك كله - ولا إخاله كذلك - فيشفع لي حسن ظني ويقيني، وما يكنه قلبي لربي؛ من حب وإيمان، وإخلاص وإيقان؛ وشهادتي بربوبيتي ووحدانيتي! ناصيتي بيده، ومرجعي إليه! أعوذ بوجهه الكريم من غضبه، وبعفوه من عقوبته، وبرضاه من سخطه!
جعلني الله تعالى وإياك ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه. أولئك الذين هداهم الله وألئك هم أولوا الألباب!
محمد محمد عبد اللطيف ابن الخطيب
﴿أَفَتَطْمَعُونَ﴾ أيها المؤمنون ﴿أَن يُؤْمِنُواْ لَكُمْ﴾ أي تؤمن لكم اليهود عن طريق النظر والاستدلال؟ وكيف يكون ذلك ﴿وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِّنْهُمْ﴾ أي من أسلافهم، ومن هم على شاكلتهم؛ وهم قوم موسى ﴿يَسْمَعُونَ كَلاَمَ اللَّهِ﴾ في التوراة؛ ويعلمون تمام العلم أنه حق - بما ظهر لهم من الآيات المتتالية، والمعجزات المتوالية - ﴿ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ﴾ يغيرونه، ويبدلونه؛ متعمدين معاندين ﴿مِن بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ﴾ فهموه بعقولهم
﴿وَإِذَا لَقُواْ الَّذِينَ آمَنُواْ قَالُوا آمَنَّا﴾ بأنكم على الحق، وأن رسولكم هو المبشر به في التوراة ﴿وَإِذَا خَلاَ﴾ انفرد ورجع ﴿بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ قَالُواْ﴾ أي قال الذين لم ينافقوا ولم يؤمنوا للذين نافقوا بقولهم «آمنا» قالوا لهم: ﴿أَتُحَدِّثُونَهُم بِمَا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ﴾ عرفكم في التوراة من نعت محمد ﴿لِيُحَآجُّوكُم﴾ ليقيموا عليكم الحجة
﴿وَمِنْهُمْ﴾ أي من اليهود ﴿أُمِّيُّونَ﴾ لا يقرأون، ولا يكتبون ﴿إِلاَّ أَمَانِيَّ﴾ إلا أكاذيب. وقيل: «أماني»: قراءة. والمعنى: إنهم يقرأون بغير فهم، ولا علم، ولا تدبر
﴿فَوَيْلٌ﴾ الويل: حلول الشر، وشدة العذاب ﴿لِّلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ﴾ التوراة ﴿بِأَيْدِيهِمْ﴾ مغيرين فيها ومبدلين؛ طبقاً لأهوائهم.


الصفحة التالية
Icon