﴿وَلَقَدِ اسْتُهْزِىءَ بِرُسُلٍ مِّن قَبْلِكَ﴾ مثل ما استهزىء بك ﴿فَحَاقَ﴾ فنزل ﴿بِالَّذِينَ سَخِرُواْ مِنْهُمْ مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِؤونَ﴾ أي جزاءه من العقاب والتعذيب ﴿كِتَابَ﴾ قضى ربكم
﴿عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ﴾ تفضلاً منه على العباد؛ ومن دلائل رحمته تعالى: تلطفه بخلقه رغم تجبرهم، وإمدادهم رغم عصيانهم؛ وأي رحمة أبلغ من رزقه لمن يكفر به، وإمهاله لمن يعبد غيره؟ ﴿لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ﴾ للحساب والجزاء ﴿لاَ رَيْبَ فِيهِ﴾ لا شك في حصول وقوعه ﴿الَّذِينَ خَسِرُواْ أَنْفُسَهُم﴾ أضاعوها بكفرهم، وأعمالهم السيئة في الدنيا؛ فلا يقام لهم وزن في الآخرة، وليس لهم نصيب فيها سوى الجحيم والعذاب الأليم
﴿وَلَهُ مَا سَكَنَ فِي الْلَّيْلِ وَالنَّهَارِ﴾ أي له تعالى كل شيء - هو خالقه ومالكه - من ساكن أو متحرك؛ لأن الذي يسكن لا بد أن يكون متحركاً. والآية الكريمة تنص على كل مخلوق من متحرك وساكن بطبعه، أو ساكن بعد تحرك ﴿وَهُوَ السَّمِيعُ﴾ لأقوالكم ﴿الْعَلِيمُ﴾ بأفعالكم
﴿قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيّاً﴾ ناصراً ومعيناً ﴿فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ﴾ فاطر الشيء: خالقه ابتداء من غير مثال سبق ﴿وَهُوَ يُطْعِمُ﴾ سائر مخلوقاته ويتكفل بأرزاقهم وأقواتهم ﴿وَلاَ يُطْعَمُ﴾ لا يحتاج لأحد يرزقه أو يطعمه؛ شأن من عبدتم من المخلوقات كعيسى ﴿عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ﴾ هو يوم القيامة
﴿وَهُوَ الْقَاهِرُ﴾ الذي لا يعجزه شيء ﴿فَوْقَ عِبَادِهِ﴾ مستعلياً عليهم؛ فهم كلهم تحت رحمته؛ وقيد إرادته؛ يعز من يشاء، ويذل من يشاء، يحيي من يشاء، ويميت من يشاء، يسعد من يشاء بجنته ورحمته، ويشقي من يشاء بناره وغضبه، بيده الملك والملكوت، والعزة والجبروت؛ تفرد بالعظمة والسلطان ﴿وَهُوَ الْحَكِيمُ﴾ في صنعه ﴿الْخَبِيرُ﴾ بخلقه
﴿قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادةً﴾ لي بالرسالة والنبوة ﴿قُلِ اللَّهِ شَهِيدٌ بِيْنِي وَبَيْنَكُمْ﴾ أي أن دعوتي لتوحيده، وحثى على معرفته: شهادة على نبوتي، ودليل على صدقي ﴿وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ﴾ وهو شهادة أخرى قاطعة ناصعة؛ فأي شهادة أكبر من هذا تطالبونني بها، وتلزمونني بإبدائها؟ ﴿لأُنذِرَكُمْ بِهِ وَمَن بَلَغَ﴾ أي لأنذركم بهذا القرآن؛ ومن سيبلغه من بعد وفاتي؛ فكأنما أنذرته بنفسي وأبلغته. أو ومن بلغه القرآن: وجب عليه القيام بتبليغه أيضاً
﴿الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ﴾ اليهود والنصارى ﴿يَعْرِفُونَهُ﴾ أي يعرفون محمداً؛ لنعته في كتبهم (انظر آية ١٥٧ من سورة الأعراف).
-[١٥٣]- ﴿الَّذِينَ خَسِرُواْ أَنْفُسَهُم﴾ بتعريضها للجحيم والعذاب الأليم ﴿فَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ﴾ بمحمد؛ رغم معرفتهم له كمعرفتهم لأبنائهم


الصفحة التالية
Icon