﴿وَأَنذِرْ بِهِ﴾ أي بالقرآن ﴿لَيْسَ لَهُمْ مِّن دُونِهِ﴾ غيره ﴿وَلِيُّ﴾ ينصرهم
﴿وَلاَ تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ﴾
يعبدونه ويتضرعون إليه ﴿بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ﴾ أي صبحاً ومساءاً ﴿يُرِيدُونَ وَجْهَهُ﴾ يطلبون مرضاته تعالى؛ ولا يبتغون شيئاً من أعراض الدنيا
﴿وَكَذلِكَ فَتَنَّا﴾ ابتلينا ﴿بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ﴾ ابتلينا الشريف بالوضيع، والقوي بالضعيف، والغني بالفقير، والسادة بالعبيد ﴿لِّيَقُولواْ﴾ أي ليقول الشرفاء، والأقوياء، والأغنياء؛ والسادة ﴿أَهَؤُلاءِ﴾ الوضعاء، والضعفاء، والفقراء والعبيد ﴿مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّن بَيْنِنَآ﴾ بالعقل والإيمان والهداية؟ قال تعالى رداً على استفهامهم البادي على ألسنتهم تارة، وفي قلوبهم أخرى ﴿أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ﴾ فيوفقهم إلى مرضاته، ويسوقهم إلى جناته
﴿كِتَابَ﴾ قضى ﴿رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ﴾ تفضلاً منه على عبيده، وإحساناً منه لخلقه ومن رحمته تعالى ﴿أَنَّهُ مَن عَمِلَ مِنكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِن بَعْدِهِ﴾ أي من بعد عمل السوء ﴿وَأَصْلَحَ﴾ أعماله ﴿فَإِنَّهُ﴾ تعالى ﴿غَفُورٌ﴾ لذنبه به يؤخذ من هذه الآية أن جناية العالم أكبر من جناية الجاهل، وأن من لوازم التوبة: إصلاح العمل
﴿وَكَذَلِكَ نفَصِّلُ الآيَاتِ﴾ نوضحها ونبينها ﴿وَلِتَسْتَبِينَ﴾ تظهر ﴿سَبِيلٍ﴾ طريق ﴿الْمُجْرِمِينَ﴾ الذين يصرون على ذنوبهم؛ فلا يتوبون منها، ولا يرجعون عنها
﴿قُلْ إِنِّي عَلَى بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّي وَكَذَّبْتُم بِهِ﴾ أي إني على حجة واضحة ظاهرة من ربي؛ وهي القرآن قد ﴿وَكَذَّبْتُم بِهِ﴾ و ﴿مَا عِندِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ﴾ أي ليس عندي ما تطلبونه من العذاب؛ وذلك كقولهم ﴿فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِّنَ السَّمَآءِ﴾ ﴿إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ للَّهِ يَقُصُّ الْحَقَّ﴾
أي يقوله، ويتبع الحق والحكمة فيما يحكم به ويقدره وفي قراءة ﴿يَقْضِي بِالْحَقِّ﴾ ﴿وَهُوَ خَيْرُ الْفَاصِلِينَ﴾ الحاكمين
﴿قُل لَّوْ أَنَّ عِندِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ﴾ من العذاب ﴿لَقُضِيَ الأَمْرُ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ﴾ بتعجيله وإنزاله بكم؛ وقسركم على الإيمان، ولكن الله تعالى وحده يعلم متى يعذب عباده، ومتى يعفو عنهم، ومتى يرحمهم ﴿وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالظَّالِمِينَ﴾ فيعذبهم وقت إرادته؛ لا وقت طلبهم
﴿وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ﴾ من ورق الشجر يعلم شكلها وحجمها ومقدارها، ومتى تسقط،
-[١٥٩]- وأين تسقط، وكم مرة تدور في الهواء، وكم مرة تتقلب على الأرض عند سقوطها ﴿وَلاَ حَبَّةٍ﴾ من الحبوب؛ كالبر والشعير والذرة والعدس ونحوه؛ إلا يعلم كيف تنبت، ومتى تنبت، ومن يجتنيها، ومن يأكلها؛ وقد تحمل الحبة من قطر إلى قطر، وتجوب البحار والأنهار؛ جرياً وراء آكلها؛ حتى تستقر في جوف من كتبت له، وزرعت من أجله؛ فتعالى الخالق الرازق، العليم الحكيم ﴿وَلاَ رَطْبٍ وَلاَ يَابِسٍ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ﴾ مكتوب ﴿مُّبِينٌ﴾ بيّن واضح؛ وهو اللوح المحفوظ: كتب فيه لتعلمه الملائكة الموكلون بانفاذ أوامره تعالى


الصفحة التالية
Icon