﴿وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُم بِاللَّيْلِ﴾ يميتكم عند نومكم؛ وذلك لأن النوم قرين الموت؛ إذ فيه تقبض روح النائم، وتسبح في ملكوت ربها؛ كما تقبض روح الميت تماماً؛ غير أن النائم لا تنفصل روحه من جسده انفصالاً تاماً؛ بل لا تزال متصلة به. أما الميت فتنفصل روحه من جسده انفصالاً تاماً فيريها الله تعالى ما شاء من نعمة أو نقمة؛ حتى يقضي تعالى بالقيامة فتتصل كل روح بجسدها الذي يعيده الله تعالى لها؛ فيلقى المؤمن من كرم الله تعالى وحسن وفادته ما ينسيه البؤس الذي لقيه في دنياه ويلقى الكافر من الذل والهوان والعذاب ما ينسيه النعيم الذي كان فيه ﴿وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُم بِالنَّهَارِ﴾ ما كسبتم فيه من الآثام. وجرح واجترح: بمعنى كسب؛ وذلك لأن الآثام لا ترتكب إلا بالجوارح ﴿ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ﴾ أي في النهار؛ برد أرواحكم
﴿لِيُقْضَى أَجَلٌ مّسَمًّى﴾ وهو انقضاء آجالكم (انظر آية ٤٢ من سورة الزمر) ﴿ثُمَّ يُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ فيجازيكم عليه
﴿وَهُوَ الْقَاهِرُ﴾ الذي لا يعجزه شيء ﴿فَوْقَ عِبَادِهِ﴾ بالاستعلاء؛ فكلهم مخلوق وفق إرادته، وكلهم تحت سلطانه ورحمته؛ يحيي ويميت، ويعطي ويمنع، ويعز ويذل وهو اللطيف الخبير ﴿وَيُرْسِلُ عَلَيْكُم حَفَظَةً﴾ ملائكة حافظين ﴿حَتَّى إِذَا جَآءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ﴾ أي جاء وقته وأوانه ﴿تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا﴾ المكلفون بقبض أرواح الخلائق ﴿وَهُمْ لاَ يُفَرِّطُونَ﴾ فيما عهد إليهم به، فلا يتعجلون أحداً لم يحن حينه، ولا يتركون أحداً انقضى أجله
﴿ثُمَّ رُدُّواْ إِلَى اللَّهِ مَوْلاَهُمُ﴾ سيدهم ومالكهم ﴿الْحَقِّ أَلاَ لَهُ﴾ وحده ﴿الْحُكْمُ﴾ بين عبيده؛ لا يشاركه في ذلك أحد من خلقه، ولا يشفع أحد عنده إلا بإذنه ﴿وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ﴾ قيل: يحاسب الناس جميعاً في مقدار حلب شاة
﴿قُلْ مَن يُنَجِّيكُمْ مِّن ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ﴾ مخاوفهما وأهوالهما، أو ظلمات البر: الصواعق. وظلمات البحر: الأمواج؛ وكلاهما يشتد في الغيم والليل ﴿تَدْعُونَهُ﴾ عند الوقوع في المهالك ﴿تَضَرُّعاً﴾ ابتهالاً وتذللاً؛ معلنين الضراعة ﴿وَخُفْيَةً﴾ قائلين ﴿لَّئِنْ أَنجَانَا﴾ ربنا ﴿مِنْ هَذِهِ﴾ المهالك والأهوال ﴿لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ﴾ له،
-[١٦٠]- المؤمنين به


الصفحة التالية
Icon