﴿وَذَرُواْ﴾ اتركوا ﴿ظَاهِرَ الإِثْمِ وَبَاطِنَهُ﴾ علانيته: كالقتل والسب، وسره: كالزنا والغيبة ﴿سَيُجْزَوْنَ﴾ في الآخرة ﴿بِمَا كَانُواْ يَقْتَرِفُونَ﴾ يكتسبون من الإثم
﴿وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ﴾ الفسق: العصيان والترك لأمر الله تعالى ﴿وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ﴾ يوسوسون ﴿إِلَى أَوْلِيَآئِهِمْ﴾ من المشركين ﴿لِيُجَادِلُوكُمْ﴾ فيما أحله الله تعالى وحرمه وذلك بقولهم - في حل الميتة - كيف تأكلون ما قتلتم، ولا تأكلون ما قتلهالله؟
﴿أَوَ مَن كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ﴾ أي كافراً فهديناه للإيمان؛ الذي هو حياة القلوب والنفوس ﴿وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً﴾ هو نور الإيمان واليقين؛ يهدي به الله تعالى أولياءه الصالحين أو هو نور العلم والمعرفة ﴿يَمْشِي بِهِ﴾ أي بهذا النور ﴿فِي النَّاسِ﴾ يهديهم بهديه، ويرشدهم إلى ما ينجيهم في دنياهم وأخراهم ﴿كَمَن مَّثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ﴾
ظلمات الكفر والجهل والخطيئة. (انظر آية ١٧ من سورة البقرة) ﴿لَيْسَ بِخَارِجٍ مِّنْهَا﴾ أي من هذه الظلمات. وكيف يخرج منها وهو لم يحاول الخروج، ولم يسع إليه، ولم يفكر فيه؟ ﴿كَذلِكَ﴾ كما زين للمؤمنين إيمانهم ﴿زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ﴾ وقد زين الله تعالى للمؤمنين أعمالهم، وللكافرين أعمالهم؛ بعد عرض الإيمان عليهم جميعاً: فآمن المؤمنون، وكفر الكافرون يؤيد هذا المعنى قوله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ زَيَّنَّا لَهُمْ أَعْمَالَهُمْ﴾ فترى أن التزيين قد حصل بعد عدم الإيمان
﴿وَكَذلِكَ﴾ كما جعلنا في مكة صناديد قريش يمكرون فيها ﴿جَعَلْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكَابِرَ مُجَرِمِيهَا﴾ أي جعلنا أكابرها مجرمين ﴿لِيَمْكُرُواْ فِيهَا﴾ بالصد عن الإيمان، وإفشاء الفجور والفساد، والابتعاد عن طرق السداد والرشاد ﴿وَمَا يَمْكُرُونَ إِلاَّ بِأَنْفُسِهِمْ﴾ لأن وبال مكرهم عائد عليهم
﴿وَإِذَا جَآءَتْهُمْ آيَةٌ﴾ دالة على صدق الرسول صلوات الله تعالى وسلامه عليه ﴿قَالُواْ لَن نُّؤْمِنَ﴾ لك ﴿حَتَّى نُؤْتَى مِثْلَ مَآ أُوتِيَ رُسُلُ اللَّهِ﴾ أرادوا لعنهم الله أن يكونوا مثل أنبياء الله تعالى ورسله؛ فيمدهم بالآيات، ويخصهم بالمعجزات ونظيره قوله تعالى: ﴿بَلْ يُرِيدُ كُلُّ امْرِىءٍ مِّنْهُمْ أَن يُؤْتَى صُحُفاً مُّنَشَّرَةً﴾ وذلك لمزيد كفرهم، وبالغ كبرهم، وقد رد الله تعالى عليهم بقوله: ﴿اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ﴾ فيختار لها الأبرار الأطهار، لا الكفار الفجار؛ ويعد لحمل شريعته، صفوة خليقته فكلهم - عليهم الصلاة والسلام - من خيرة الأنام فكيف يختار معهم بعض الكفرة اللئام؛ الذين نسوا الله فأنساهم أنفسهم، وعبدوا من دونه الطواغيت، واختاروا العصيان على الإيمان، وعصوا الرحمن وأطاعوا الشيطان فهيهات هيهات لما يقولون ﴿سَيُصِيبُ الَّذِينَ أَجْرَمُواْ صَغَارٌ﴾ ذل وهوان.


الصفحة التالية
Icon