﴿هَذِهِ أَنْعَامٌ وَحَرْثٌ حِجْرٌ﴾ حرام ﴿لاَّ يَطْعَمُهَآ﴾ لا يأكلها ﴿إِلاَّ مَن نَّشَآءُ﴾ من خدمة الأوثان؛ وسدنة الأصنام ﴿بِزَعْمِهِمْ﴾ بباطلهم وكذبهم. والزعم: القول الحق، أو الباطل والكذب. وأكثر ما يستعمل في الباطل وفيما يشك فيه ﴿وَأَنْعَامٌ حُرِّمَتْ ظُهُورُهَا﴾ أي حرم ركوبها؛ كالسائبة والبحيرة والحامي ﴿سَيَجْزِيهِم﴾ ربهم ﴿بِمَا كَانُواْ يَفْتَرُونَ﴾ عليه من أحكام لم ينزلها، وشرائع لم يشرعها
﴿وَقَالُواْ مَا فِي بُطُونِ هَذِهِ الأَنْعَامِ﴾
من الأجنة والألبان ﴿خَالِصَةٌ لِّذُكُورِنَا وَمُحَرَّمٌ عَلَى أَزْوَاجِنَا﴾ قيل: هي البحائر والسوائب؛ كانوا يخصون الذكران وحدهم بشرب ألبانها وأكل أولادها ﴿وَإِن يَكُنْ﴾ الجنين ﴿مَّيْتَةً فَهُمْ﴾ نساءً ورجالاً ﴿فِيهِ شُرَكَآءُ﴾ يأكلونه جميعاً ﴿سَيَجْزِيهِم﴾ ربهم ﴿وَصْفَهُمْ﴾ أي سيجزيهم عقوبة كذبهم وافترائهم ﴿وَهُوَ الَّذِي أَنشَأَكُم﴾ خلق لكم وأبدع ﴿جَنَّاتٍ مَّعْرُوشَاتٍ﴾ حدائق ذات أفنان وظلال ﴿وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفاً أُكُلُهُ﴾ أي ثمره الذي يؤكل؛ يختلف في الطعم؛ فهذا حلو، وهذا حامض، وهذا من ﴿صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ﴾ ﴿وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُتَشَابِهاً﴾ في الخلقة والشكل والأغصان والأوراق ﴿وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ﴾ في الطعم ﴿كُلُواْ مِن ثَمَرِهِ إِذَآ أَثْمَرَ وَآتُواْ حَقَّهُ﴾ أي زكاته ﴿يَوْمَ حَصَادِهِ﴾ بدون تأخير؛ فقد وجب حق الفقير بالحصاد. وقيل: المراد بحقه: التصدق من الحب والثمار على الفقراء؛ وهو حق ثابت: مأمور به، مثاب عليه، معاقب على تركه وهل يجوز لك - أيها المؤمن الكريم - أن تنعم وعيالك برزقالله؛ دون أن تؤتي منه عيال الله؟ وهل يجوز لك - أيها المؤمن الرحيم - أن تبيت مطمئن النفس، ممتلىء البطن؛ والفقير بجوارك طاوي الكشح، متطلع إليك، حانق عليك؟
وقد تغالى بعض الصوفية؛ فقال: إن لكل نعمة حقاً، وأن مرتب الموظف يستحق حقه يوم قبضه؛ الذي هو «يوم حصاده».
-[١٧٣]- ﴿وَلاَ تُسْرِفُواْ﴾ في حبس الزكاة عن أربابها، والحقوق عن أصحابها؛ إذ أن هذا هو منتهى الإسراف في البخل أو أريد بالإسراف: الخطأ في العطية؛ بأن يعطي من لا يستحق. وزعم قوم من المفسرين - أثابهم الله تعالى - أن الإسراف: مجاوزة القدر في الإعطاء؛ حتى يجحف صاحب المال بنفسه. وهو قول غير مستساغ؛ إذ أنه لا سرف في الخير وقد فاتهم أن الله تعالى أعقب ذلك بقوله ﴿إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ﴾ وما من أحد يؤمن ب الله واليوم الآخر يستطيع أن يقول: إن الباذل ماله في سبيل مرضاتالله؛ مستوجب لغضبالله، والحرمان من محبته؛ وهو جل شأنه القائل: ﴿وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ﴾ ﴿وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ﴾.
يقول الله تعالى:


الصفحة التالية
Icon