﴿وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم﴾ أي صدور أهل الجنة ﴿مِّنْ غِلٍّ﴾ حقد وعداوة، وذلك من تمام نعمته تعالى على عباده المؤمنين ﴿وَقَالُواْ الْحَمْدُ للَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا﴾ أي هدانا لصالح العمل؛ الذي أدخلنا بسببه الجنة ﴿وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ﴾ إلى ذلك ﴿لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ﴾ قيل: إن أهل النار يرون مقاعدهم من الجنة لو كانوا مهتدين؛ فيكون ذلك حسرة عليهم، وتعذيباً لهم وإن أهل الجنة يرون مقاعدهم من النار لو لم يهتدوا؛ فيقولون ﴿الْحَمْدُ للَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ﴾ ﴿وَنُودُواْ﴾ أي نادى الملائكة أصحاب الجنة
﴿فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ﴾ نادى مناد ﴿بَيْنَهُمْ﴾ بين أهل النار ﴿أَن لَّعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ﴾ الكافرين؛ الذين ظلموا أنفسهم بالكفر وتعريضها للعقاب
﴿الَّذِينَ يَصُدُّونَ﴾ يمنعون الناس ﴿عَن سَبِيلِ اللَّهِ﴾ دينه الحق ﴿وَيَبْغُونَهَا عِوَجاً﴾ أي يحاولون أن يجعلوا طريقه القويم ودينه المستقيم؛ معوجاً ﴿وَهُمْ بِالآخِرَةِ﴾ بالبعث والحساب والجزاء ﴿كَافِرُونَ﴾ لا يصدقون بمجيء القيامة
﴿وَبَيْنَهُمَا﴾ أي بين الجنة والنار، أو بين أصحاب الجنة وأصحاب النار ﴿حِجَابٍ﴾ حاجز؛ وهو السور الذي ذكره الله تعالى في قوله ﴿فَضُرِبَ بَيْنَهُم بِسُورٍ لَّهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِن قِبَلِهِ الْعَذَابُ﴾ وهو سور الأعراف المعني بقوله جل شأنه ﴿وَعَلَى الأَعْرَافِ﴾ جمع عرف؛ وهو كل مرتفع من الأرض، ومنه سمي عرف الديك: لارتفاعه. وقيل: سمي الأعراف: لأن أصحابه يعرفون الناس جميعاً: أهل الجنة وأهل النار ﴿رِجَالٌ﴾ هم أناس تجاوزت بهم حسناتهم النار، وقصرت بهم سيئاتهم عن الجنة؛ فلا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء؛ فجعلوا هنالك حتى يقضي الكريم فيهم بما يشاء؛ وسيدخلهم الجنة بفضله ومغفرته ورحمته وزعم بعضهم أن المقصود بأصحاب الأعراف: الملائكة؛ وأنهم يناقشون أهل النار بأمر ربهم؛ وهو قول يتجافى مع الصواب والمنطق؛ فقد عرفهم الله تعالى بقوله ﴿رِجَالٌ﴾ ولا يطلق هذا التعريف على ملائكة الرحمن وهؤلاء الرجال ﴿يَعْرِفُونَ كُلاًّ﴾ من أصحاب الجنة وأصحاب النار ﴿بِسِيمَاهُمْ﴾ بعلامتهم؛ فأهل الجنة يعرفون ببياض الوجه ونضرته، وبالنور الذي يسعى بين أيديهم وبأيمانهم، وأهل النار يعرفون بسواد وجوههم، وبالقترة التي ترهقهم ﴿وَنَادَوْاْ﴾ أي نادى أصحاب الأعراف ﴿أَصْحَابَ الْجَنَّةِ﴾ قائلين لهم ﴿سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ لَمْ يَدْخُلُوهَا﴾
أي لم يدخل أصحاب الأعراف الجنة بعد ﴿وَهُمْ يَطْمَعُونَ﴾ في دخولها
﴿وَإِذَا صُرِفَتْ أَبْصَارُهُمْ﴾ أي إذا اتجهت أبصار أصحاب الأعراف ﴿تِلْقَآءَ أَصْحَابِ النَّارِ﴾ دعوا الله تعالى قائلين
-[١٨٦]- ﴿رَبَّنَا لاَ تَجْعَلْنَا مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ﴾ في هذه النار


الصفحة التالية
Icon