﴿وَأَوْحَيْنَآ إِلَى مُوسَى أَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ﴾ تتناول بسرعة؛ والمعنى أنها تبتلع ﴿مَا يَأْفِكُونَ﴾ ما يكذبون؛ أي ما يموهون به على أعين الناس من سحرهم؛ والإفك: أسوإ الكذب
﴿فَوَقَعَ الْحَقُّ﴾ الذي أراده الله تعالى، وانتصر رسول رب العالمين، على رسول إبليس اللعين ولقفت عصا موسى حبال السحرة وعصيهم، وظهر أمر الله تعالى، وعلت كلمته، وانهار صرح الكفر ودالت دولته
﴿فَغُلِبُواْ﴾ أي غلب فرعون وقومه ﴿هُنَالِكَ وَانقَلَبُواْ﴾ رجعوا ﴿صَاغِرِينَ﴾ ذليلين مقهورين ولما بان للسحرة شأن موسى وأحسوا بما أبداه وأظهره، وعلموا أن ذلك ليس من جنس السحر الذي يخدعون أعين الناس به؛ وأنه يستعين فيما يأتيه بقدرة خارقة لطبائع الأشياء، ويستمد بقوة إلهية محسوسة؛ ولو أنها غير منظورة حينئذ علموا أنه يدعو إلى الحق، وأن فرعون يدعو إلى الباطل؛ وخروا سجداً لله، و
{قَالُواْ آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ *
رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ *
قَالَ فِرْعَوْنُ آمَنتُمْ} استفهام؛ أي أآمنتم ﴿بِهِ قَبْلَ أَن آذَنَ لَكُمْ﴾ بالإيمان ﴿إِنَّ هَذَا لَمَكْرٌ مَّكَرْتُمُوهُ﴾ وهو إظهار الإيمان بموسى؛ ليؤمن به باقي الناس
﴿قَالُواْ إِنَّآ إِلَى رَبِّنَا مُنقَلِبُونَ﴾ راجعون
﴿وَمَا تَنقِمُ مِنَّآ﴾ أي وما تعاقبنا؛ يقال نقم منه: إذا عاقبه ﴿إِلاَّ أَنْ آمَنَّا بِآيَاتِ رَبِّنَا﴾ الدالة عليه؛ وهي ما رأيناه من معجزات ظاهرات ﴿رَبَّنَآ أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْراً﴾ هب لنا من لدنك صبراً واسعاً، وأكثره علينا حتى يفيض ويغمرنا
﴿وَقَالَ الْمَلأُ مِن قَوْمِ فِرْعَونَ أَتَذَرُ﴾ أتترك ﴿مُوسَى وَقَوْمَهُ﴾ ممن آمن به من بني إسرائيل ﴿لِيُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ وَيَذَرَكَ﴾ يدعك ويتركك ﴿وَآلِهَتَكَ﴾ قيل: كان لعدو الله تعالى بقرة يعبدها؛ وقد قرأ مجاهد وابن عباس «وإلاهتك» وكان القائلون لذلك خاصة فرعون وبطانته؛ وهكذا شأن بطانة السوء في كل زمان ومكان: تدس للعاملين المصلحين؛ عند الملوك الجاهلين المستبدين؛ وتفهمهم أن في بقاء أمثال هؤلاء خطراً على عروشهم وهكذا أيضاً شأن الحمقى من الملوك والرؤساء: يحيطون ملكهم وجبروتهم بسياج من السطوة والبطش؛ لتتوفر لهم بذلك أسباب الاستقرار والانقياد ولذا كان جواب فرعون على تحريض ملئه له
﴿قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبْنَآءَهُمْ وَنَسْتَحْيِي
-[١٩٦]- نِسَآءَهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ﴾
عالون بالقدرة، والكثرة، والغلبة، والقهر. وهذا هو شأن المستبد الظالم الغاشم المبطل؛ الذي لا يعتمد إلا على ظلمه وقوته وقسوته أما الذي ينشد العدل، ويرغب في الحق؛ ويسعى إلى الإصلاح؛ فهو إذا غلب على أمره: لجأ إلى مولاه يستهديه ويستعينه ويسترشده؛ لذا


الصفحة التالية
Icon