﴿فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ﴾ الخلف بالجزم: الأولاد الطالحون، وبفتح اللام: الصالحون ﴿وَرِثُواْ الْكِتَابَ﴾ التوراة عن آبائهم ﴿يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَذَا الأَدْنَى﴾ العرض: المتاع. والأدنى: القريب، أو الأخس الأحقر. والمراد ما كانوا يأخذونه من الرشا في الأحكام ﴿وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنَا﴾ وهكذا شأن الفجار الأشرار: يعملون كل ما يؤهلهم للنار، ويطمعون في المغفرة بلا عمل ولا استغفار ﴿وَإِن يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مِّثْلُهُ﴾ أي مثل العرض الأدنى المذكور ﴿يَأْخُذُوهُ﴾ أيضاً؛ وهم في ذلك كمثل المذنب الذي يطمع في المغفرة، ولا يحاول ترك الذنوب؛ بل يصر عليها، ويداوم على فعلها. ومن المقطوع به: أنه «لا كبيرة مع الاستغفار، ولا صغيرة مع الإصرار» فكيف بالكبيرة مع الإصرار؟ ﴿أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ مِّيثَاقُ الْكِتَابِ﴾ وهو أخذ العهود عليهم بإقامة التوراة والعمل بما فيها، و ﴿أَن لاَّ يِقُولُواْ عَلَى اللَّهِ إِلاَّ الْحَقَّ﴾ فلا ينسبوا إليه ما لم يقله، ولا يطمعوا في مغفرته بغير توبة ولا عمل ﴿وَدَرَسُواْ مَا فِيهِ﴾ أي ما في الكتاب ﴿وَالدَّارُ الآخِرَةُ﴾ وما فيها من نعيم مقيم ﴿خَيْرٌ لِّلَّذِينَ يَتَّقُونَ﴾ الله ويخشون عقابه
﴿وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ﴾ يستمسكون ﴿بِالْكِتَابِ﴾ ويعملون بما فيه. وقرأ ابن مسعود رضي الله تعالى عنه «والذين استمسكوا بالكتاب» ﴿وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ﴾ التي أمرناهم بإقامتها
﴿وَإِذ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ﴾ قلعناه ورفعناه فوق رؤوسهم ﴿كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ﴾ الظلة: كل ما أظلك من سقف، أو سحاب ﴿وَظَنُّواْ﴾ تأكدوا ﴿أَنَّهُ وَاقِعٌ بِهِمْ﴾ لا محالة؛ حينئذٍ قلنا لهم ﴿خُذُواْ مَآ آتَيْنَاكُم﴾ من الشرائع، والأوامر، والنواهي ﴿بِقُوَّةٍ﴾ بجد وعزم واهتمام ﴿وَاذْكُرُواْ مَا فِيهِ﴾ بالعمل
﴿وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ﴾ قائلاً لهم ﴿أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى شَهِدْنَآ﴾ بأنك ربنا.
وهذا من باب التمثيل والتخييل. والمعنى: أنه تعالى نصب لهم الأدلة على ربوبيته، والبراهين على وحدانيته، فشهدت بها عقولهم وبصائرهم التي ركبها الله تعالى فيهم، وجعلها مميزة بين الضلالة والهداية فكأنه تعالى أشهدهم على أنفسهم، وقال لهم: ﴿أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ﴾ وكأنهم ﴿قَالُواْ بَلَى شَهِدْنَآ﴾ وهذا التمثيل شائع سائغ في لغة العرب وأشعارهم ﴿أَن تَقُولُواْ﴾ أي أشهدناكم على أنفسكم؛ لئلا تقولوا ﴿يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا﴾ الإيمان ﴿غَافِلِينَ﴾ فلم نعلم عنه شيئاً
﴿أَوْ تَقُولُواْ
-[٢٠٥]- إِنَّمَآ أَشْرَكَ آبَاؤُنَا﴾
ب الله ﴿مِن قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِّن بَعْدِهِمْ﴾ سرنا على سيرتهم، واتبعناهم في عباداتهم ﴿أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ﴾ من آبائنا


الصفحة التالية
Icon