﴿يُجَادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ﴾ مجاهدة العدو ﴿بَعْدَمَا تَبَيَّنَ﴾ لهم النصر؛ بوعد الله تعالى به. وذلك أنهم خيروا بين العير والنفير، فاختاروا العير ﴿كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ﴾ حين تأمرهم بالقتال ﴿إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنظُرُونَ﴾ وكان ذلك في وقعة بدر
﴿وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتِيْنِ﴾ وذلك أن عير قريش أقبلت من الشام في تجارة عظيمة، وخرج أبو جهل بجميع أهل مكة لتلقي العير، والمحافظة عليها؛ ونزل جبريل عليه الصَّلاة والسَّلام؛ فقال: يا محمد إن الله وعدكم إحدى الطائفتين: إما العير، وإما قريشاً. فاستشار الرسول أصحابه؛ فاختاروا العير لخفة الحرب، وكثرة الغنيمة. وهذا معنى قوله تعالى ﴿وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ﴾ والشوكة: السلاح. فقام عند ذلك أبو بكر، وعمر، وسعدبن عبادة، والمقدادبن عمرو، وسعدبن معاذ؛ رضي الله تعالى عنهم، وقالوا فأحسنوا القول، وكان مما قاله المقدادبن عمرو: يا رسول الله إمْضِ إلى حيث أمرك الله فنحن معك؛ والله لا نقول كما قالت بنو إسرائيل لموسى ﴿فَاذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ﴾ ولكن اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكما مقاتلون فوالذي بعثك بالحق لئن سرت بنا إلى برك الغماد لجالدنا معك دونه حتى تبلغه ففرح رسولالله بذلك ودعا لهم بخير؛ وقال: «سيروا على بركة الله تعالى» وكان ما كان مما هو مدون في كتب السير.
﴿فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِّنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ﴾ يقال: ردفه: إذا تبعه. وأردفته إياه: إذا أتبعته
﴿وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ﴾ أي ما جعل ذلك الإمداد ﴿إِلاَّ بُشْرَى﴾ لكم ﴿وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ﴾
بالكثرة، ولا بالمعاونة؛ وإنما هو في الحقيقة لا يكون ﴿إِلاَّ مِنْ عِندِ اللَّهِ﴾ ينصر الأقل الأذل، على الأكثر الأعز - متى شاء - بإرادته وقوته ﴿إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ﴾ قوي غالب، لا يغلب أبداً ﴿حَكِيمٌ﴾ في سائر أموره وتقديراته؛ فإذا قدر النصر فلمنة، وإذا قدر الهزيمة فلحكمة
﴿إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ﴾ النوم ﴿أَمَنَةً﴾ أمناً لكم؛ إذ أنه من المعلوم أن الخائف لا ينام؛ ولكن الله تعالى ربط على قلوبهم، وحال بينهم وبينها؛ فأمنوا في موطن الخوف، وخاف الكافرون في موضع الأمن والنعاس في القتال: أمن منالله، وفي الصلاة: رجز من الشيطان ﴿وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُم مِّن السَّمَآءِ مَآءً لِّيُطَهِّرَكُمْ بِهِ﴾ قيل: كانوا على غير ماء، وأصبحوا مجنبين؛ فنزل المطر كالسيل؛ فشربوا وتطهروا ﴿وَيُذْهِبَ عَنكُمْ رِجْزَ
-[٢١٢]- الشَّيْطَانِ﴾
بعد أن وسوس إليهم في منامهم بما أصبحهم مجنبين ﴿وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ﴾ يقويها بالصبر؛ وأنهم قد أصبحوا متطهرين ﴿وَيُثَبِّتَ بِهِ الأَقْدَامَ﴾ عند لقاء العدو، قيل: كانوا يتنقلون في حربهم على كثبان من رمل تسوخ فيه الأقدام؛ فتلبد الرمل من الماء وتثبت عليه أقدامهم عند اللقيا


الصفحة التالية
Icon