﴿وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لاَ يَسْمَعُونَ﴾ أي قالوا: آمنا بأفواههم ولم تؤمن قلوبهم
﴿إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِندَ اللَّهِ﴾ أي إن شر المخلوقات التي تدب على وجه الأرض - ومنها الإنسان - ﴿الصُّمُّ﴾ عن سماع الحق ﴿الْبُكْمُ﴾ عن النطق بكلمة التوحيد. شبه تعالى الكفار بالبهائم، بل بشرّها وفي ذلك كل البلاعة، ونهاية الإعجاز: إذ أن الكافر لا يسمع الحق، والبهائم لا تسمعه، ولا ينطق بالخير، والبهائم لا تنطق به، ويأكل والبهائم تأكل؛ قال تعالى:
﴿وَالَّذِينَ كَفَرُواْ يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الأَنْعَامُ﴾ بقي أن الإنسان يؤذي ويضر، والبهائم لا تؤذي ولا تضر فكيف لا يكون بعد هذا شراً من البهائم؟
﴿يأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ للَّهِ﴾ أجيبوه ﴿وَلِلرَّسُولِ﴾ محمد صلوات الله تعالى وسلامه عليه؛ بأن تطيعوه ﴿إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ﴾ أي إذا دعاكم للإيمان الذي به تحيا النفوس، وبه تحيون الحياة الباقية أو ﴿إِذَا دَعَاكُم﴾ للجهاد وفي الجهاد حياتكم؛ وإلا فالموت والويل لمن يمكن أعداءه من نفسه، ومن دينه، ومن وطنه ﴿وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ﴾ قد أريد بالقلب هنا: العقل. قال تعالى: ﴿لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا﴾ أي إن الله تعالى يحول بين المرء وعقله؛ فيعمل بغير ما يمليه عليه؛ وقد حال الله تعالى - في الجهاد - بين المؤمنين وعقولهم؛ وكذلك حال أيضاً بين المشركين وعقولهم؛ قال تعالى: ﴿وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ الْتَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلاً وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ﴾ فلو لم يحل تعالى بين المؤمنين وقلوبهم: لانهزموا رعباً لكثرة المشركين وقوتهم، ولو لم يحل أيضاً بين المشركين وقلوبهم: لما استهانوا بالمؤمنين وأمكنوهم من أنفسهم؛ وذلك ﴿لِّيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْراً كَانَ مَفْعُولاً﴾ وقد ذهب كثير من المفسرين - أثابهم الله - إلى أن معنى هذه الآية: أن الله تعالى يحول بين الكافر والإيمان وهو قول ظاهر البطلان؛ لا يجوز نسبته إلى الله تعالى وإنما أريد بالقلب هنا العقل كما بينا (انظر آيتي ١١٠ من سورة الأنعام، و٢٠٠ من سورة الشعراء)
﴿وَاتَّقُواْ فِتْنَةً﴾ عذاباً ﴿لاَّ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَآصَّةً﴾ وذلك لأن العذاب يصيب الذين ظلموا، والذين لم يظلموا؛ لأن الظالم يهلك بظلمه وعصيانه، والذي لم يظلم يهلك لعدم منعه الظالم من ظلمه، وتركه إقامة الحد عليه
﴿وَاعْلَمُواْ أَنَّمَآ أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلاَدُكُمْ فِتْنَةٌ﴾
أي محنة من الله؛ ليختبركم كيف تحافظون فيهما على حدوده، وتتجنبون محارمه (انظر آية ١١ من سورة النساء)
﴿يِاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إَن تَتَّقُواْ اللَّهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَاناً﴾ الفرقان:
-[٢١٤]- النصر والبرهان، ولعل المراد بذلك: يجعل لكم عقلاً راجحاً تفرقون به بين الحق والباطل، وبين الخير والشر وبين النفع والضر ﴿وَيُكَفِّرْ﴾ يمح


الصفحة التالية
Icon