﴿إِلاَّ الَّذِينَ عَاهَدتُّم مِّنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنقُصُوكُمْ شَيْئاً﴾ مما عاهدوكم عليه ﴿وَلَمْ يُظَاهِرُواْ﴾
لم يعاونوا ﴿عَلَيْكُمْ أَحَداً﴾ من أعدائكم ﴿فَأَتِمُّواْ إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ﴾ التي ضربتموها في العهد. يؤخذ من ذلك أنه كانت تعقد بين المؤمنين والمشركين معاهدات ومحالفات، مؤقتة بمواقيت؛ كما يفعل كبار ساسة العالم اليوم؛ بغير فارق سوى أن هؤلاء ناقضون للعهد، صارمون للود؛ وأولئك لعهدهم راعون، ولأماناتهم حافظون
﴿فَإِذَا انسَلَخَ﴾ أي مضى ﴿الأَشْهُرُ الْحُرُمُ﴾ وهي ذي القعدة وذي الحجة والمحرم ﴿فَاقْتُلُواْ الْمُشْرِكِينَ﴾ ناكثي العهد ﴿حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ﴾ في الحل أو الحرم، وفي الأشهر الحرم، أو غير الأشهر الحرم ﴿وَخُذُوهُمْ﴾ الأخذ: الانتقام والأسر ﴿وَاحْصُرُوهُمْ﴾ حاصروهم؛ حتى يضطروا إلى الإسلام، أو الاستسلام ﴿وَاقْعُدُواْ لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ﴾ كل طريق؛ وترصدونهم به، وتترقبونهم فيه ﴿فَإِن تَابُواْ﴾ عن الشرك وآمنوا ﴿وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ﴾ في أوقاتها ﴿وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ﴾ المفروضة ﴿فَخَلُّواْ سَبِيلَهُمْ﴾ أطلقوا سراحهم من الأسر ولا تتعرضوا لهم بأذى
﴿وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ﴾ الذين أمرت بقتالهم ﴿اسْتَجَارَكَ﴾ أي استجار بك، وطلب منك الأمن ﴿فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلاَمَ اللَّهِ﴾ ومن هنا نعلم أن الإسلام لم ينتشر بالشدة والقسوة - كما يزعم بعض أعدائه وشانئيه - وإنما انتشر وشاع بالحجة والإقناع وباللطف لا العنف؛ ولم تكن مهمة المسلمين النيل من الكافرين؛ بل إقناعهم وهدايتهم حتى يعرفوا الحق فيتبعوه؛ وليس بعد ذلك مطعن لطاعن، أو مغمز لغامز؛ ممن طمس الله تعالى بصائرهم، وجعلهم من حزب الشيطان فهو يدعوهم دائماً إلى نار السعير ﴿ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ﴾ موضع أمنه؛ وهو المكان الذي يختاره لنفسه بنفسه. والمعنى: حافظ عليه حتى يصل إلى ديار قومه. وبعد ذلك يجوز قتاله إذا بدت منه إذاية للمسلمين، أو إضرار بمصالحهم
﴿كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ عِندَ اللَّهِ وَعِندَ رَسُولِهِ﴾ أي لا يجوز أن يكون لهم عهد؛ لأنهم قوم لا أمان لهم ﴿إِلاَّ الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ﴾ منهم ﴿عِندَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ﴾ ولم ينكثوا بعهدهم ﴿فَمَا اسْتَقَامُواْ لَكُمْ﴾ أي أقاموا على العهد.
-[٢٢٣]- ﴿فَاسْتَقِيمُواْ لَهُمْ﴾ على الوفاء بعهدهم


الصفحة التالية
Icon