﴿وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ﴾ مما نالهم من أذى المشركين
﴿أَمْ حَسِبْتُمْ﴾ أي هل ظننتم ﴿أَن تُتْرَكُواْ﴾ بغير امتحان وابتلاء ﴿وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ﴾ لم يعلم حتى الآن؛ بمعنى أنه تعالى لم يظهر ما يعلم؛ لأنه جل شأنه عالم بكل معلوم، محيط بكل موجود أي لم يعلم ﴿الَّذِينَ جَاهَدُواْ مِنكُمْ وَلَمْ يَتَّخِذُواْ مِن دُونِ اللَّهِ﴾ غيره ﴿وَلاَ رَسُولِهِ وَلاَ الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً﴾ من الولوج؛ وهو الدخول. والمراد بها بطانة الرجل وخاصته؛ أي لم يتخذوا من الكفار والمنافقين أصدقاء وخلصاء. قال تعالى: ﴿لاَّ يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَآءَ مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَن يَفْعَلْ ذلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلاَّ أَن تَتَّقُواْ مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرْكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ﴾
﴿مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ﴾ لا يحق لهم ﴿أَن يَعْمُرُواْ مَسَاجِدَ الله﴾ بأن يدخلوها؛ وقد كانوا يدخلون المسجد الحرام: حاجين أو طائفين؛ بعد ما نودي فيهم بالمنع عن المسجد الحرام بقوله تعالى: ﴿إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلاَ يَقْرَبُواْ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا﴾ وقد كانت فيهم السدانة، والسقاية، والرفادة ﴿شَاهِدِينَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ﴾ بعبادتهم للأصنام، وسجودهم لها؛ مع معرفتهم وإقرارهم بأنها مخلوقة ﴿أُوْلَئِكَ حَبِطَتْ﴾ بطلت ﴿أَعْمَالُهُمْ﴾ الحسنة التي يعملونها في الدنيا؛ لأن الكفر محبط لسائر الأعمال
﴿إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ﴾ يدخلها ﴿مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلاَةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلاَّ اللَّهَ﴾ وخشيته تعالى: إحدى دعائم الإيمان؛ التي لا يتم إلا بها، ولا يقوم إلا عليها؛ إذ كيف يكون مؤمناً بالله، من لم يخشالله؟ أو كيف يكون مؤمناً باليوم الآخر وما فيه من ثواب وعقاب من يخشى مع الله غيره؟ ولو تأملت بعين الاستبصار والاعتبار؛ لوجدت أن كل الأعمال الموصلة إلى الجنة توصل إلى النار - إذا صحبتها خشية المخلوقين، دون خشية رب العالمين - فكم مصيب يدخل النار؛ لخبث نيته، وسوء طويته وكم من مخطىء يدخل الجنة لصدق نيته، ومزيد خشيته ومن هنا نعلم أن خشية الله تعالى هي الإيمان كله، وأنها موصلة لخيري الدارين، وأنها طاعة من أجلِّ الطاعات، وأن خشية ما سوى الله تعالى معصية من أقبح المعاصي ويندرج تحت ذلك سائر الطاعات؛ فالجهاد: خشيةلله تعالى، والإحجام عنه: خشية من الأعداء
﴿فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللَّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً﴾ والإنفاق: خشيةلله تعالى، والإمساك: خشية من الإملاق والفقر ﴿الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُم بِالْفَحْشَآءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُم مَّغْفِرَةً مِّنْهُ وَفَضْلاً﴾ وسائر العبادات - ما لم يشبها رياء أو نفاق - فهي خشية من الله تعالى؛ فإذا شابها شيء منهما فهي خشية لسواه
﴿أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ
-[٢٢٥]- الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ﴾
قيل: افتخر العباس بالسقاية، وشيبة بالعمارة، وعلي رضي الله تعالى عنه بالإسلام والجهاد؛ فصدق الله تعالى علياً؛ لأن


الصفحة التالية
Icon