﴿اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ﴾ علماءهم ﴿وَرُهْبَانَهُمْ﴾ نساكهم ﴿أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللَّهِ﴾ أي كالأرباب؛ حيث أطاعوهم في كل شيء. ومنه قوله تعالى: ﴿انفُخُواْ حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَاراً﴾ أي كالنار. وقد كان الأحبار والرهبان يحلون لهم الحرام فيستحلونه، ويحرمون عليهم الحلال فيحرمونه ﴿وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ﴾ عطف على ﴿اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ﴾ أي اتخذواالمسيح ابن مريم رباً لهم ﴿وَمَآ أُمِرُواْ إِلاَّ لِيَعْبُدُواْ إِلَهاً وَاحِداً لاَّ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحَانَهُ﴾ تنزه وتقدس عن الولد، وعن الشبيه والنظير
﴿يُرِيدُونَ أَن يُطْفِئُواْ نُورَ اللَّهِ﴾ شرعه وبراهينه، وأدلة توحيده ﴿وَيَأْبَى اللَّهُ إِلاَّ أَن يُتِمَّ﴾ يظهر ﴿نُورَهُ﴾ دينه وشرعه؛ ويعليه على سائر الأديان والشرائع
﴿هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى﴾ القرآن ﴿وَدِينِ الْحَقِّ﴾ الإسلام ﴿لِيُظْهِرَهُ﴾ ليعليه ﴿عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ﴾ على سائر الأديان المخالفة
﴿وَيَصُدُّونَ﴾ يمنعون الناس ﴿عَن سَبِيلِ اللَّهِ﴾ دينه ﴿وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ﴾ ولا يؤدون زكاتها، ولا يتصدقون منها ﴿وَلاَ يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ﴾ ذهب أبو ذر الغفاري رضي الله تعالى عنه إلى أن المسلم لا ينبغي له أن يكون في ملكه أكثر من قوت يومه وليلته. والإجماع على غير ذلك؛ ما دام مؤدياً حق الله تعالى فيه. وقد زعم بعضهم أنها نزلت في أهل الكتاب فحسب؛ وهو زعم باطل
﴿يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا﴾ أي على الذهب والفضة
﴿فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ﴾ وقد اختيرت الجباه والجنوب والظهور بالكي: لأن البخيل يرى الفقير قادماً عليه فيقطب جبهته، فإذا جاءه أعرض ونأى بجانبه، فإذا طالبه بإحسان ولاه ظهره؛ فوجب أن يكوى بما بخل به على جبهته وجنبه وظهره وقد يكون المراد بذلك كيّ سائر الجسم؛ فالجبهة تدل على الأمام، والجنوب والظهور على باقي الجسم. وقد يقال: كيف يحمى على أوراق العملة المتداولة الآن إن كانت مكتنزة؟ والجواب: إنه يحمى على ما يوازيها من الذهب والفضة؛ فتكوى بها الجباه والجنوب والظهور؛ وجميع ذلك على وجه التمثيل: فقد يحمى على أطنان كثيرة من الذهب والفضة؛ فتصب على البخلاء صباً؛ ويومئذٍ يتذكرون ما فعلوه في دنياهم ﴿فَأَنَّى لَهُمْ إِذَا جَآءَتْهُمْ ذِكْرَاهُمْ﴾ والمراد من الآية: أن الذهب والفضة اللذين هما موضع إعجابهم في الدنيا واهتمامهم وحرصهم؛ سيكونان في الآخرة موضع ألمهم وتعذيبهم نعوذ به تعالى من غضبه وعذابه ﴿هَذَا مَا كَنَ
-[٢٢٨]- زْتُمْ لأَنْفُسِكُمْ﴾
أي يقال لهم: إنكم لم تكنزوا خيراً لأنفسكم؛ بل كنزتم لها الشر المقيم، والعذاب الأليم ﴿فَذُوقُواْ مَا كُنتُمْ تَكْنِزُونَ﴾ أي جزاءه وعقوبته


الصفحة التالية
Icon