﴿إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ﴾ أي إن لم تنصروه فسينصره من نصره حين لم يكن معه سوى رجل واحد ﴿ثَانِيَ اثْنَيْنِ﴾ هو وأبو بكر رضي الله تعالى عنه ﴿إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ﴾ والغار: نقب في الجبل؛ وقد كانا في غار بجبل ثور؛ وهو من جبال مكة المكرمة ﴿إِذْ يَقُولُ﴾ محمد ﴿لِصَاحِبِهِ﴾ أبي بكر رضي الله تعالى عنه؛ حين رأى المشركين يجوبون الجبل بحثاً عن النبي ليقتلوه؛ فقال للنبي: لو نظر أحدهم تحت قدميه لأبصرنا. فقال عليه أفضل الصَّلاة وأتم السلام ﴿لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا﴾ بنصره وعونه وكلاءته ﴿فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ﴾ السكينة: الطمأنينة ﴿وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا﴾ ملائكة يحفظونه من أن يراه الكفار، ومن أن ينال منه أحدهم لو رآه ﴿وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُواْ﴾ دعوتهم إلى الشرك ﴿السُّفْلَى﴾ المنحطة المغلوبة ﴿وَكَلِمَةُ اللَّهِ﴾ دينه، والدعوة إلى توحيده ﴿هِيَ الْعُلْيَا﴾ الظاهرة الغالبة
﴿انْفِرُواْ خِفَافاً وَثِقَالاً﴾ أي اخرجوا للقتال ركباناً ومشاة، أو شباباً وشيوخاً، أو أغنياء وفقراء
﴿لَوْ كَانَ عَرَضاً قَرِيباً﴾ أي لو كان ما دعوتهم إليه مغنماً سهل المأخذ ﴿وَسَفَراً قَاصِداً﴾ وسطاً، غير بعيد ﴿لاَّتَّبَعُوكَ﴾ جرياً وراء منافعهم الدنيوية ﴿وَلَكِن بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ﴾ المسافة الشاقة ﴿وَسَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَوِ اسْتَطَعْنَا لَخَرَجْنَا مَعَكُمْ يُهْلِكُونَ أَنْفُسَهُمْ﴾ بالكذب والنفاق، وتعريضها للعذاب الأليم
﴿عَفَا اللَّهُ عَنكَ﴾ هو من ألطف العتاب ﴿لِمَ أَذِنتَ لَهُمْ﴾ في التخلف عن الجهاد؟
من هذه الآية نعلم مكانة الرسول صلوات الله تعالى وسلامه عليه عند ربه، وعلوّ قدره، وسمو منزلته؛ فقد بشره مولاه جل شأنه بالعفو قبل أن يخبره بالذنب؛ ولأنه لو قال له معاتباً: لم أذنت لهم؟ لخيف عليه أن ينشق قلبه حزناً وكمداً


الصفحة التالية
Icon