﴿وَلاَ عَلَى الَّذِينَ﴾ رغبوا في الجهاد رغبة صادقة، ولم يمنعهم عنه سوى أنهم ﴿إِذَا مَآ أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ﴾ أي لتعطيهم ما يركبون عليه للجهاد ﴿قُلْتَ﴾ لقلة ما عندك من المراكب؛ وكثرة المجاهدين الذين استنفدوا كل ما عندك من خيل وأبعرة أعددتها وجمعتها للجهاد؛ قلت لهم ﴿لاَ أَجِدُ مَآ أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ﴾ وعند ذاك يظهر الأسى على وجوههم، والحسرة في قلوبهم - لمزيد إيمانهم وإخلاصهم - و ﴿تَوَلَّوْاْ﴾ انصرفوا ﴿وَّأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَناً أَلاَّ يَجِدُواْ مَا يُنْفِقُونَ﴾ في سبيل الله؛ فيشترون ما يركبونه - لهم ولأمثالهم ممن منعهم عن الجهاد قلة المراكب -
﴿إِنَّمَا السَّبِيلُ﴾ الطريق للمؤاخذة والعقوبة ﴿عَلَى الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ﴾ في التخلف ﴿وَهُمْ أَغْنِيَآءُ﴾ أقوياء يستطيعون الجهاد في سبيله تعالى بالأنفس والأموال؛ لكنهم ﴿رَضُواْ بِأَن يَكُونُواْ مَعَ الْخَوَالِفِ﴾ النساء؛ لأنهم خلف الرجال في البيوت ﴿وَطَبَعَ﴾ غطى ﴿اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ﴾ بسبب نفاقهم ﴿فَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ﴾ ما ينفعهم فيوصلهم إلى الجنة، وما يضرهم فيلقي بهم في الجحيم هذا وقد طبع الله تعالى على قلوبهم؛ بعد أن أنزل عليهم آياته البينات، وأراهم معجزاته الظاهرات؛ فأبوا طريق الهدى والفلاح، واتبعوا طريق الشيطان؛ فكان لزاماً أن يطبع الله تعالى على قلوبهم، ويختم على أبصارهم ﴿فَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ﴾
﴿سَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ إِذَا انْقَلَبْتُمْ﴾ أي رجعتم من الجهاد ﴿لِتُعْرِضُواْ عَنْهُمْ﴾ فلا تعاتبوهم على تخلفهم وقعودهم ﴿فَأَعْرِضُواْ عَنْهُمْ﴾ فلا تشيروا إلى تقصيرهم، ولا تعاتبوهم؛ وذلك لأن المعاتبة: تصفية للقلوب، وإبقاء للمودة؛ ألا ترى إلى وصفه تعالى لأهل النار: ﴿فَيَوْمَئِذٍ لاَّ ينفَعُ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مَعْذِرَتُهُمْ وَلاَ هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ﴾ ﴿إِنَّهُمْ رِجْسٌ﴾ قذر لخبث باطنهم؛ فلا يطهرون بالعتاب والتوبيخ. والرجس: القذر المؤدي إلى العذاب والعقاب.


الصفحة التالية
Icon