﴿وَعَلَى الثَّلاَثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُواْ﴾ أي وتاب أيضاً على الثلاثة الذين خلفوا عن التوبة؛ فلم يقبل رسول الله توبتهم وهم: كعب بن مالك، ومرارة بن الربيع، وهلال بن أمية. وقيل ﴿الَّذِينَ خُلِّفُواْ﴾ أي تخلفوا عن الجهاد في غزوة تبوك ﴿حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنفُسُهُمْ﴾ فلم يبق فيها أنس ولا سرور، وذلك بسبب أن الرسول عليه الصلاة والسلام دعا لمقاطعتهم؛ فكان أحدهم يفشي السلام لأقرب أقربائه فلا يرد عليه، وهجرتهم نساؤهم وأهلوهم تيقنوا ﴿أَن لاَّ مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلاَّ إِلَيْهِ﴾ فأكثروا من الابتهال والاستغفار، إلى أن تاب عليهم العزيز الغفار ﴿ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُواْ﴾ لما ضاقت عليهم الأرض بما رحبت، وضاقت عليهم أنفسهم بما وسعت: لجأوا إلى اللطيف المنان، الرحيم الرحمن؛ فتاب عليهم ليتوبوا فانظر - يا رعاك الله وهداك - إلى رحمة مولاك يتوب عليك لتتوب ﴿تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُواْ﴾ ويحببك لتحبه ﴿يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ﴾ ويرضى عنك لترضى عنه ﴿رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ﴾ فاسأله أن يتوب عليك، وأن يحببك، وأن يرضى عنك تاب الله علينا فيمن تاب، وأحبنا فيمن أحب، ورضي عنا فيمن رضي
﴿مَا كَانَ لأَهْلِ الْمَدِينَةِ﴾ مدينة الرسول ﴿وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِّنَ الأَعْرَابِ أَن يَتَخَلَّفُواْ عَن رَّسُولِ اللَّهِ﴾ أي ما صح وما جاز لهم أن يقعدوا عن طاعته، ويتخلفوا عن الجهاد معه ﴿وَلاَ يَرْغَبُواْ﴾ لا يضنوا ﴿بِأَنْفُسِهِمْ عَن نَّفْسِهِ﴾ أي عما يصيب نفسه من أذى وغم؛ بل يجب عليهم أن يفدوه بأنفسهم وأموالهم وأهليهم، وأن يكونوا معه في الضراء قبل السراء، وفي الشدة قبل الرخاء ﴿ذلِكَ بِأَنَّهُمْ لاَ يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ﴾ عطش ﴿وَلاَ نَصَبٌ﴾ تعب ﴿وَلاَ مَخْمَصَةٌ﴾ جوع ﴿وَلاَ يَرْغَبُواْ بِأَنْفُسِهِمْ﴾
أي لا يحتلون بلداً، ولا يدوسون موضعاً ﴿يَغِيظُ الْكُفَّارَ﴾ وطؤهم له ﴿وَلاَ يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَّيْلاً﴾ منالاً. أي لا يقتلون منهم قتيلاً، أو يأسرون أسيراً، أو يجرحون جريحاً ﴿إِلاَّ كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ﴾ ينالون أجره، ويكسبون ثوابه
﴿وَلاَ يَقْطَعُونَ وَادِياً﴾ أرضاً ﴿إِلاَّ كُتِبَ لَهُمْ﴾ أجرهم وجزاؤهم
﴿وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ﴾ ما صح، وما جاز لهم ﴿لِيَنفِرُواْ﴾ للحرب، أو لطلب العلم ﴿كَآفَّةً﴾ عامة؛ ويتركوا أهلهم بلا عائل، وأوطانهم بلا حافظ؛ بل ينفر بعضهم للجهاد، وبعضهم للتفقه في الدين، ويبقى باقيهم لحماية الذمار، وحفظ الديار
-[٢٤٤]- ﴿فَلَوْلاَ﴾ فهلا ﴿نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ﴾ جماعة ﴿مِّنْهُمْ طَآئِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُواْ فِي الدِّينِ﴾ يتعلموا ويتبصروا ﴿وَلِيُنذِرُواْ قَوْمَهُمْ﴾ بما تعلموه وتفقهوا فيه ﴿لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ﴾ الجهل فيتجنبونه.


الصفحة التالية
Icon