﴿فَنَذَرُ﴾ نترك ﴿الَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَآءَنَا﴾ أي لا يؤمنون بالبعث؛ ولا يرجون ثواباً ولا عقاباً وإنكار الآخرة وما فيها من بعث وحساب، وثواب وعقاب: يكون بلسان الحال، كما يكون بلسان المقال: فرب مؤمن بالآخرة بلسانه، وأعماله تبالغ في تكذيبه إذ أن الذي لا يقوم بما فرضه الله تعالى عليه من عبادات: غير مؤمن بالآخرة؛ ولو أقسم على إيمانه بها؛ فإن يمينه غموس، والذي يرتكب الموبقات، ولا يخشى رب الأرض والسموات: غير مؤمن بالآخرة؛ وإلا فكيف يكون مؤمناً بالآخرة من يخشى المخلوقين، ولا يخشى أحسن الخالقين؟ كيف يكون مؤمناً بلقاءالله: من يخشى الناس كخشية الله أو أشد خشية
إن من شرائط الإيمان بالآخرة أيها المؤمن: أن تخشى عقابها وتطمع في ثوابها، وأن تعلم أن ربك قد أحصى عليك عملك، وأنه محاسبك؛ فمجازيك عليه: إن كان خيراً فخير، وإن كان شراً فشر ﴿فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ﴾ يترددون متحيرين
﴿وَإِذَا مَسَّ الإِنسَانَ الضُّرُّ﴾ المرض، أو الفاقة ﴿دَعَانَا لِجَنبِهِ﴾ مريضاً: لا يمكنه الحركة ﴿أَوْ قَاعِداً﴾ متعباً: لا يمكنه القيام ﴿أَوْ قَآئِماً﴾ دائباً في طلب الرزق فلا يجد ما يسد الرمق. أو المراد أنه يدعو ربه على كل حالة هو عليها. ومن المعلوم أن حالة الإنسان وهيئته لا يعدوان ثلاث حالات: نائماً، أو قاعداً، أو قائماً ﴿فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ﴾ الذي دعانا من أجله: شفينا مرضه، ومحونا بؤسه، وأزلنا فقره ﴿مَرَّ﴾ انصرف عنا، أو استمر على كفره ﴿كَأَن لَّمْ﴾ يحتج إلينا، ويفتقر إلى معونتنا، ولم ﴿يَدْعُنَآ إِلَى ضُرٍّ مَّسَّهُ﴾ فكشفناه عنه ﴿كَذلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ﴾ الكافرين
﴿وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ﴾ الأمم ﴿لَمَّا ظَلَمُواْ﴾ كفروا ﴿وَجَآءَتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ﴾ الآيات الدالات على صدق رسالاتهم ﴿وَمَا كَانُواْ لِيُؤْمِنُواْ﴾ لأن الله تعالى طبع على قلوبهم؛ جزاء على كفرهم
﴿ثُمَّ جَعَلْنَاكُمْ
-[٢٤٨]- خَلاَئِفَ﴾
خلفاء؛ تخلفونهم في سكنى الأرض وعمارتها ﴿لِنَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ﴾ أتكفرون ككفرهم، وتنصرفون عن الإيمان كانصرافهم أم تؤمنون شأن سائر العقلاء


الصفحة التالية
Icon