﴿وَّإِن تَوَلَّوْاْ﴾ أعرضوا ﴿فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ﴾ في خلاف ومعاداة
﴿صِبْغَةَ اللَّهِ﴾ دينه
﴿قُلْ أَتُحَآجُّونَنَا﴾ أتجادلوننا ﴿وَلَنَآ أَعْمَالُنَا﴾ أي جزاء أعمالنا وثوابها ﴿وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ﴾ إثمها وعذابها ﴿وَنَحْنُ لَهُ مُخْلِصُونَ﴾ في الحب، والعبادة والإخلاص: لب كل خير، وأساس كل نفع؛ فبغيره لا يصل الإنسان إلى ربه، ولا يهنأ بقربه؛ فالدنيا كلها ظلمات إلا موضع العلم، والعلم كله هباء إلا موضع العمل، والعمل كله هباء، إلا موضع الإخلاص. والإخلاص لا يكون باللسان؛ بل بالجنان، ولا يكتسب بالركوع والسجود؛ بل بالاتجاه إلى الرب المعبود فاحرص - هديت وكفيت - على الإخلاص؛ فهو باب النجاة والخلاص
﴿وَالأَسْبَاطَ﴾ حفدة يعقوب عليه السلام: ذراري أبنائه ﴿وَمَنْ أَظْلَمُ﴾ أي لا أحد أظلم ﴿مِمَّنْ كَتَمَ شَهَادَةً﴾ أخفاها ولم يبدها
﴿تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ﴾ قد مضت ﴿لَهَا مَا كَسَبَتْ﴾ جزاء ما عملت ﴿وَلَكُمْ مَّا كَسَبْتُمْ﴾ جزاء ما عملتم ﴿وَلاَ تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ أي ولا تؤاخذون بكفرهم وطغيانهم ﴿كُلُّ امْرِىءٍ بِمَا كَسَبَ رَهَينٌ﴾
﴿سَيَقُولُ السُّفَهَآءُ مِنَ النَّاسِ﴾ الجهال منهم ﴿مَا وَلاَّهُمْ عَن قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُواْ عَلَيْهَا﴾ أي ما صرفهم عن قبلتهم التي كانوا يصلون نحوها؛ وقد كان المؤمنون - في بدء الإسلام - يصلون نحو بيت المقدس؛ حتى نزل قول العزيز الكريم:
﴿قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَآءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا﴾ ﴿قُل للَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ﴾ أي له الكون أجمع بسائر جهاته ﴿فَأَيْنَمَا تُوَلُّواْ فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ﴾
﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً﴾ أي متوسطين بين الغلو والتفريط. ووسط كل شيء: أعدله. والطريقة الوسطى: المثلى. قال تعالى: ﴿قَالَ أَوْسَطُهُمْ﴾ أي أعدلهم حكماً، وأصوبهم رأياً
-[٢٦]- ﴿وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنتَ عَلَيْهَآ﴾ وهي بيت المقدس ﴿إِلاَّ لِنَعْلَمَ مَن يَتَّبِعُ الرَّسُولَ﴾ فيما يذكره عن ربه؛ من تحويل القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة ﴿مِمَّن يَنقَلِبُ﴾ يرجع ﴿عَلَى عَقِبَيْهِ﴾ أي يعود إلى الكفر الذي كان فيه ﴿وَإِن كَانَتْ﴾ التولية عن القبلة ﴿لَكَبِيرَةٌ﴾ شاقة صعبة؛ لأن كل تغيير في أمر من الأمور - خاصة إذا كان هذا الأمر جديداً في أوله: كالإسلام، وكان هاماً: كقبلة الصلاة - فإنه يكون صعباً وشاقاً على النفوس
﴿إِلاَّ عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ﴾ وفقهم للإيمان، وهداهم للتصديق ﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ﴾ أي صلاتكم إلى القبلة الأولى. ولا يخفى ما في التعبير عن الصلاة بالإيمان: من تعظيم لشأنها، وإعلاء لقدرها؛ وأن من تمسك بأدائها، وحافظ على أوقاتها؛ فقد تمسك بالإيمان كله كيف لا وهي الناهية عن الفحشاء والمنكر: ﴿اتْلُ مَا أُوْحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ﴾ وهي فوق ذلك مذهبة الهموم، ومفرجة الكروب «كان إذا حزبه أمر فزع إلى الصلاة» ﴿فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ﴾ جهته ﴿وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ﴾ اليهود والنصارى ﴿لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ﴾ أي ليعلمون أن تحويل القبلة هو الحق؛ لأنه معلوم عندهم، مدون في كتبهم