﴿قَالَ﴾ الله تعالى ﴿قَدْ أُجِيبَتْ دَّعْوَتُكُمَا﴾ فلم يؤمن فرعون وقومه حتى أدركهم الغرق؛ فلم ينفعهم إيمانهم ﴿فَاسْتَقِيمَا﴾ اثبتا على ما أنتما عليه من نشر الدعوة ﴿وَلاَ تَتَّبِعَآنِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ﴾ صدق الإجابة، وحكمة الإمهال
﴿وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ﴾ جعلناهم يسلكونه ويتجاوزونه؛ بأن فرق الله تعالى الماء: فمر بنو إسرائيل على اليابسة. قال تعالى: ﴿فَانفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ﴾ ﴿فَأَتْبَعَهُمْ﴾ لحقهم ﴿فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْياً﴾ منهم على المؤمنين ﴿وَعَدْواً﴾ اعتداء وتطاولاً وظلماً ﴿حَتَّى إِذَآ أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنتُ أَنَّهُ لا إِلِهَ إِلاَّ الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنواْ إِسْرَائِيلَ وَأَنَاْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ﴾ ذهب بعضهم إلى أن فرعون قد آمن بقوله هذا؛ وأنه لا ينافي إيمانه ما جاء بعد ذلك في القرآن الكريم
﴿آلآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ﴾ لأن ذلك القول من قول الملك الموكل بالعذاب لا من قول الحكيم الخبير وهذ القول يرده قول العزيز العليم ﴿وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآنَ﴾ وحضور الموت - المعنى في هذه الآية - هو اليأس من الحياة؛ وقد قال فرعون ما قال وقت إطباق البحر عليه، ويأسه من النجاة، وسبب إهلاك فرعون بالإغراق: هو أنه ألجأ بني إسرائيل إلى البحر ليغرقهم أو يقتلهم؛ فكان جزاؤه من جنس عمله. وتأمل - يا رعاك الله - إلى قدرة الله؛ فقد جعل في لحظة واحدة العزيز ذليلاً، والذليل عزيزاً؛ إذ لم يكن أعز من فرعون وملئه، ولا أذل من موسى وقومه (انظر آية ١٨ من سورة النساء)
﴿فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ﴾ بجسمك؛ بعد إزهاق روحك ﴿لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ﴾ أي لمن بعدك من الأمم ﴿آيَةٍ﴾ عبرة لهم؛ وها هي ذي جثته الآن تعرض في دار الآثار المصرية. ﴿وَإِنَّ كَثِيراً مِّنَ النَّاسِ﴾ الكافرين ﴿عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ﴾ لا يتعظون بها «وإن يروا كل آية لا يؤمنوا بها»
﴿وَلَقَدْ بَوَّأْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ مُبَوَّأَ صِدْقٍ﴾ أي أنزلناهم منزل تكريم في مصر والشام، أو الشام وبيت المقدس ﴿وَرَزَقْنَاهُمْ مِّنَ الطَّيِّبَاتِ﴾ الثمار وغيرها ﴿فَمَا اخْتَلَفُواْ﴾ في أمر محمد الذي بشر به كتابهم ﴿حَتَّى جَآءَهُمُ الْعِلْمُ﴾ القرآن.


الصفحة التالية
Icon