﴿إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُواْ﴾ على الضراء، وشكروا ربهم في سائر حالاتهم ﴿وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ﴾ في النعماء، ولم ينكروا أنعم الله تعالى عليهم، وفضله الواصل إليهم ولا يخفى أن أولى الأعمال الصالحة وأولاها: البذل والصدقة {
فَلَعَلَّكَ تَارِكٌ بَعْضَ مَا} وذلك لأنهم كانوا يتلقون الوحي - عند نزوله - بالطعن والاستهزاء؛ فنزلت هذه الآية لفتاً لأنظارهم؛ وليعلموا أنهم مهما سخروا، ومهما استهزؤا، فإن الله بالغ أمره، وإن رسوله مبلغ رسالته ﴿وَضَآئِقٌ بِهِ صَدْرُكَ﴾ كراهة استهزائهم، وكراهة ﴿أَن يَقُولُواْ لَوْلاَ﴾ هلا ﴿أُنزِلَ عَلَيْهِ كَنزٌ أَوْ جَآءَ مَعَهُ مَلَكٌ﴾ يؤيده في رسالته؟ قال تعالى مخاطباً رسوله الكريم ﴿لَّيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ﴾ ﴿إِنَّكَ لاَ تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ﴾ ﴿لَّسْتَ عَلَيْهِم بِمُسَيْطِرٍ﴾ ﴿إِنَّمَآ أَنتَ نَذِيرٌ﴾ منذر لهم بما أعددته للكافرين، من عذاب أليم
﴿أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ﴾ اختلق القرآن ﴿قُلْ فَأْتُواْ بِعَشْرِ سُوَرٍ مِّثْلِهِ﴾ (انظر آية ٢٣ من سورة البقرة) ﴿مُفْتَرَيَاتٍ﴾ مختلقات ﴿وَادْعُواْ مَنِ اسْتَطَعْتُمْ﴾ لمعاونتكم ﴿مِّن دُونِ اللَّهِ﴾ غيره
﴿فَإِلَّمْ يَسْتَجِيبُواْ لَكُمْ﴾ أي لم يجبكم من استعنتم بهم للإتيان بمثل هذا القرآن؛ وبان لكم عجزكم جميعاً عن الإتيان بمثله ﴿فَاعْلَمُواْ أَنَّمَآ أُنزِلِ﴾ هذا القرآن ﴿بِعِلْمِ اللَّهِ﴾ وإرادته؛ لا باختلاق مختلق، ولا بافتراء مفتر ﴿وَأَن لاَّ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ فَهَلْ أَنتُمْ مُّسْلِمُونَ﴾ بعد ظهور هذه الدلالات والحجج القاطعة
﴿مَن كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا﴾ ويرغب في الحصول على المزيد من ملذاتها؛ ضارباً صفحاً عن الآخرة وما يوصل إليها من الإيمان وصالح الأعمال؛ فأولئك ﴿نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا﴾ أي نجزهم في الدنيا على ما عملوه فيها من عمل صالح: كبر الوالدين، وحسن المعاملة، وأمثال ذلك ﴿وَهُمْ فِيهَا لاَ يُبْخَسُونَ﴾ لا ينقصون شيئاً مما عملوه؛ فيجزون بمزيد من المال والصحة
﴿أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ إِلاَّ النَّارُ وَحَبِطَ﴾ بطل ﴿مَا صَنَعُواْ فِيهَا﴾ أي في الدنيا؛ لأن أعمالهم لم يقصد بها وجه الله تعالى؛ بل قصد بها التفاخر والاستكثار
﴿أَفَمَن كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّهِ﴾ على برهان من الله، وحجة بينة عقلية: أن دين الإسلام حق ﴿وَيَتْلُوهُ﴾ يتبعه ﴿شَاهِدٌ مِّنْهُ﴾ أي من الله تعالى؛ يشهد بصدقه؛ وهو القرآن الكريم.
-[٢٦٥]- ﴿وَمِن قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى﴾ التوراة ﴿إَمَاماً﴾ الإمام: الجامع للخير، المقيم على الحق ﴿أُوْلَئِكَ﴾ أي الذين هم على بينة من ربهم ﴿يُؤْمِنُونَ بِهِ﴾ أي بالقرآن ﴿وَمَن يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الأَحْزَابِ﴾ من الكفار؛ وسموا أحزاباً: لأنهم تحزبوا على معاداة الرسول ﴿فَلاَ تَكُ فِي مِرْيَةٍ﴾ شك