﴿وَنَادَى نُوحٌ رَّبَّهُ﴾ مبتهلاً إليه ﴿فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابُنِي﴾ الذي حال بيني وبينه الموج ﴿مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ﴾ وقد وعدتني أن تنجي أهلي؛ فكيف بولدي؟
﴿قَالَ ينُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ﴾ إشارة إلى أن الكفر يبعد القرباء، والإيمان يقرب البعداء ألا ترى إلى قوله تعالى: ﴿لاَّ يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَآءَ مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ﴾ وقوله عز وجل ﴿وَالَّذينَ كَفَرُواْ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَآءُ بَعْضٍ﴾ وقوله جل شأنه ﴿وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَآءُ بَعْضٍ﴾ ولذا قال تعالى: ﴿إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ﴾ ﴿إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ﴾ وقد ذهب بعض المفسرين إلى أنه كان ابن زنا؛ بدليل قوله تعالى: ﴿إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ﴾ أي ﴿إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ﴾ أصلاً؛ لأنه نتيجة عمل غير صالح، وقوله جل شأنه عن زوجتي نوح ولوط عليهما السلام ﴿كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا﴾ وقد أورد هذا المعنى ابن جرير الطبري بأكثر من عشر طرق رواية؛ وقد حلف بعض التابعين أنه ليس بابنه.
واحتج على من قال ذلك بقوله تعالى: ﴿وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ﴾ وبأنه لا يجوز أن يحدث زنا في بيت من بيوت النبوة؛ ولو أن الكفر حدث في بيوتهم، ومن المقطوع به أن الزنا من الذنوب التي يقلع عنها، ويستغفر منها؛ وهو دون الكفر
﴿وَإِلاَّ تَغْفِرْ لِي﴾ وإن لم تغفر لي
﴿قِيلَ ينُوحُ اهْبِطْ بِسَلاَمٍ مِّنَّا﴾ انزل من السفينة. فقد زال الخوف، وحل الأمن، وطهرت البلاد من الفساد ﴿وَبَركَاتٍ﴾ خيرات ونعم ﴿عَلَيْكَ وَعَلَى أُمَمٍ مِّمَّن مَّعَكَ﴾ في السفينة. أي من أولادهم وذرياتهم؛ وهم المؤمنون ﴿أُمَمٍ﴾ منهم سيكفرون ب الله تعالى؛ فأولئك ﴿سَنُمَتِّعُهُمْ﴾ في الدنيا قليلا ﴿ثُمَّ يَمَسُّهُمْ﴾ في الآخرة ﴿مِّنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ مؤلم دائم
﴿تِلْكَ﴾ القصة ﴿مِنْ أَنْبَآءِ الْغَيْبِ﴾ الذي غاب عنك فهمه وعلمه ﴿مَا كُنتَ تَعْلَمُهَآ أَنتَ وَلاَ قَوْمُكَ مِن قَبْلِ هَذَا﴾ الوقت، أو من قبل إيحائي لك بها ﴿فَاصْبِرْ﴾ يا محمد على أذى قومك؛ كما صبر نوح من قبلك على أذى قومه.