﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ﴾ التوراة ﴿فَاخْتُلِفَ فِيهِ﴾ تصديقاً وتكذيباً؛ كما اختلف في القرآن المنزل عليك ﴿وَلَوْلاَ كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ﴾ بتأخير العذاب ﴿لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ﴾ في الدنيا؛ ولنزل العذاب بكل مكذب وقت تكذيبه ﴿وَإِنَّهُمْ﴾ أي المكذبين بالقرآن ﴿لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ﴾ أي من القرآن، أو من العذاب
﴿وَإِنَّ كُلاًّ﴾ من المصدقين والمكذبين؛ من سائر الأمم السابقة واللاحقة ﴿لَّمَّا﴾ إلا ﴿لَيُوَفِّيَنَّهُمْ رَبُّكَ أَعْمَالَهُمْ﴾ أي جزاءها يوم القيامة ﴿إِنَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ خَبِيرٌ﴾ بظواهرها وبواطنها
﴿فَاسْتَقِمْ كَمَآ أُمِرْتَ﴾ أي داوم على العمل بأمر ربك، والدعوة إليه ﴿وَلاَ تَطْغَوْاْ﴾ تتجاوزوا حدود الله ﴿إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ﴾ من خير أو شر ﴿بَصِيرٌ﴾ فيثيبكم على الخير، ويؤاخذكم على الشر
﴿وَلاَ تَرْكَنُواْ إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ﴾ لا تميلوا إليهم بصحبة، أو ود، أو مداهنة، أو تأييد، أو بإبداء أي مظهر من مظاهر الرضا عن أعمالهم؛ فكل ذلك إثم منهي عنه، معاقب عليه ﴿فَتَمَسَّكُمُ﴾ تصيبكم؛ كقوله تعالى: ﴿وَإِن يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ﴾ ﴿وَمَا لَكُمْ مِّن دُونِ اللَّهِ﴾ غيره ﴿مِنْ أَوْلِيَآءَ﴾ أحباء ونصراء
﴿وَأَقِمِ الصَّلاَةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ﴾ غدوة وعشية؛ والمراد جميع النهار: الصبح، والظهر، والعصر، ﴿وَزُلَفاً مِّنَ الْلَّيْلِ﴾ أي ساعات منه؛ قريبة من النهار؛ وهي المغرب والعشاء.
ولما كان الإنسان في هذه الحياة - مهما ارتقى واتقى - معرضاً لارتكاب صغائر الآثام والذنوب؛ خاصة في وقتنا هذا الذي اختلط فيه الحرام والحلال، وسار فيه النساء متبرجات، كاسيات عاريات، مائلات مميلات. فقد يفرط منه ما ينافي الدين القويم، والخلق المستقيم؛ فإذا ما تكررت هذه الصغائر: انقلبت إلى كبائر - بالتكرار والإصرار - وفي هذه الحال يكون في مسيس الحاجة إلى ما يخفف عنه عبء الذنوب، ويرفع عن كاهله أثقال المعاصي؛ وهنا يتدخل القرآن الكريم بمبضعه الكافي الشافي؛ فيجتث آثار العصيان، ويجعل مكانها الغفران يقول الحكيم العليم، الغفور القدير ﴿إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ﴾ فهل من متذكر، وهل من معتبر؟ (انظر آية ١٧ من سورة التغابن)
﴿فَلَوْلاَ﴾ فهلا ﴿كَانَ مِنَ الْقُرُونِ﴾ الأمم ﴿مِن قَبْلِكُمْ أُوْلُواْ بَقِيَّةٍ﴾ أي أصحاب دين وفضل؛ قال تعالى: ﴿بَقِيَّةُ اللَّهِ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ﴾ ﴿إِلاَّ قَلِيلاً مِّمَّنْ أَنجَيْنَا مِنْهُمْ﴾ هم الذين نهوا عن الفساد في الأرض؛ فنجوا من الهلاك ﴿وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مَآ أُتْرِفُواْ فِيهِ﴾ يقال: أترفته النعمة: إذا أطغته
﴿وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ﴾ منه لها ﴿وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ﴾ بل يهلكها بذنوب أهلها وفجورهم وطغيانهم
﴿وَلَوْ شَآءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ
-[٢٧٩]- النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً﴾ على دين واحد؛ لكنه تعالى لم يرد إيمانهم قسراً وجبراً؛ بل اختياراً ﴿وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ﴾ في الكفر والإيمان