﴿سَبْعٌ شِدَادٌ﴾ أي سبع سنين تقحطون فيها؛ فلا تخرج الأرض نباتاً ﴿يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ﴾ أي ما خزنتموه في السنين السبع التي زرعتموها دأباً ﴿تُحْصِنُونَ﴾ تدخرونه لتزرعوا؛ لأن في استبقاء البذر: تحصين للأقوات؛ وإلا إذا أكلنا الجميع فماذا نزرع؟
﴿فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ﴾ أي ينزل لهم الغيث، ويرزقون ما يعصر من الثمار؛ كالعنب، والزيتون، وغيرهما. وقيل: «يعصرون» ينجون؛ من العصرة: وهي المنجاة. ومنه العصر: وهو الملجأ
﴿قَالَ مَا خَطْبُكُنَّ﴾ أي أرسل إليهن الملك، وقال لهن: ما شأنكن ﴿إِذْ رَاوَدتُنَّ يُوسُفَ عَن نَّفْسِهِ﴾ هل وجدتن منه ميلاً إليكن؛ كالميل الذي بدا منكن إليه؟ ﴿قُلْنَ حَاشَ للَّهِ﴾ تعجباً من خلق إنسان كامل عفيف مثله ﴿مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِن سُوءٍ﴾ قط ﴿قَالَتِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ﴾ التي كان يوسف في بيتها، وراودته عن نفسه، واتهمته بإرادة السوء بها؛ لما رأت قول النسوة: ﴿حَاشَ للَّهِ مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِن سُوءٍ﴾ جاشت في صدرها عوامل الحب الدفين، مع الإكبار، ورغبت في الصدق الصراح؛ بعد أن ناءت بحمل الكذب المبين، طوال هذه السنين قالت: ﴿الآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ﴾ وضح وظهر ﴿أَنَاْ رَاوَدْتُّهُ عَن نَّفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ﴾ في دفاعه عن نفسه
﴿ذلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ﴾ أي لم أخن يوسف في غيبته، بعد أن خنته في حضوره؛ حين جابهته بقولي لزوجي «ما جزاء من أراد بأهلك سوءاً» ﴿وَأَنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ﴾ لا يسدد عملهم
﴿وَمَآ أُبَرِّىءُ نَفْسِي﴾ فأقول: إني لم أراوده ﴿إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلاَّ مَا رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾
الذي أراه: أن جميع ذلك تتمة لكلام امرأة العزيز؛ لأن يوسف لم يأت بعد من السجن؛ ولقول الملك بعد ذلك «ائتوني به أستخلصه لنفسي» وقد ذهب أكثر المفسرين إلى أنه من كلام يوسف عليه السلام؛ وزينوا ذلك بأقاويل تتنافى مع عصمة الأنبياء عليهم السلام؛ منها: أنه حين قال: «ذلك ليعلم أني لم أخنه بالغيب» همس جبريل في أذنه قائلاً: ولا حين حللت تكة سراويلك وهممت بها؛ فقال: «وما أبرىء نفسي» وهو قول ظاهر القبح، بادي البطلان ومن عجب أن أمهات كتب التفسير تذكر هذا القول وأمثاله، وتنسبه إلى فضلاء الصحابة، وجلة التابعين؛ وهم براء من هذا الهراء وذهب بعضهم إلى أنه من كلام العزيز: أي لم أتحامل عليه وأخنه في غيبته؛ بل جازيته على أمانته، وملكته رقاب الناس وأموالهم
﴿وَقَالَ الْمَلِكُ﴾ حين وضح له علم يوسف، ورسوخ قدمه وفضله، وبراءته مما نسب إليه ﴿ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي﴾ أي أجعله من خلصائي وأصفيائي ﴿فَلَمَّآ﴾
-[٢٨٨]- جاءوا بيوسف من السجن، و ﴿كَلَّمَهُ قَالَ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مِكِينٌ أَمِينٌ﴾ ذو مكانة تؤتمن على كل شيء


الصفحة التالية
Icon