﴿قَالُواْ تَاللَّهِ﴾ قسم فيه معنى التعجب ﴿لَقَدْ آثَرَكَ اللَّهُ﴾
أي فضلك {عَلَيْنَا وَإِن كُنَّا لَخَاطِئِينَ *
قَالَ لاَ تَثْرَيبَ عَلَيْكُمُ} لا لوم، ولا تقريع، ولا عتب ﴿الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ﴾ لإنابتكم، وندمكم على ما قدمتم، واعترافكم بخطئكم؛ وقال لهم
﴿اذْهَبُواْ بِقَمِيصِي هَذَا فَأَلْقُوهُ عَلَى وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيراً﴾ ألهمه الله تعالى أن قميصه إذا ألقي على وجه أبيه؛ يرتد بصره إليه بقدرته تعالى وقد أبى أخوهم يهوذا إلا أن يحمل القميص بنفسه؛ وقال: أنا حملت إليه قميص يوسف بدم كذب فأحزنته وأمرضته وأعميته، وأنا الذي أحمل إليه القميص الآن لأسره وأشفيه وقيل: إن هذا القميص كان قميص إبراهيم عليه الصَّلاة والسَّلام؛ الذي نجا به من النار، وأنه قد نسج من حرير الجنة، وأن ريح الجنة لا يقع على مريض أو مبتلى إلا عوفي. وهذا الكلام فيه نظر؛ فلو صدقنا أنه كان قميصاً لإبراهيم، وآمنا أن ريح الجنة لا يقع على مريض أو مبتلى إلا عوفي؛ فأين لنا بحرير الجنة الذي نسج منه القميص؟ وأين لنا بريح الجنة الذي يشفي كل مبتلي أو مريض؟ وهو كلام لا يعدو أن يكون من تخريف القصاص المولعين بكل غريب، الناشرين لكل عجيب فكم من كلام لا تستسيغه الأفهام، وكم من منقول لا يوافق العقول؛ وكتب التفسير ملأى بكل غريب وسقيم؛ فليحذره العاقل الحكيم ﴿وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ﴾ لأستمتع برؤيتهم، وأهنأ بقربهم
﴿وَلَمَّا فَصَلَتِ الْعِيرُ﴾ أي خرجت من مصر، وانفصلت عن عمرانها ﴿قَالَ أَبُوهُمْ﴾ يعقوب لجلسائه ﴿إِنِّي لأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْلاَ أَن تُفَنِّدُونِ﴾ تنسبون إليَّ التخريف. وهو من الفند، أي الخرف
﴿قَالُواْ تَاللَّهِ﴾ قسم فيه معنى التعجب ﴿إِنَّكَ لَفِي ضَلاَلِكَ الْقَدِيمِ﴾ خطئك القديم؛ من حب يوسف، وأملك في حياته ولقائه؛ وقد أجمعوا على هلاكه وموته
﴿فَلَمَّآ أَن جَآءَ الْبَشِيرُ﴾ يهوذا بقميص يوسف ﴿أَلْقَاهُ عَلَى وَجْهِهِ﴾ أي ألقى قميص يوسف على وجه أبيه ﴿فَارْتَدَّ﴾ عاد ﴿بَصِيراً﴾ كما كان ﴿قَالَ﴾ يعقوب ﴿أَلَمْ أَقُلْ لَّكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ﴾ ومن كرمه وفضله ﴿مَا لاَ تَعْلَمُونَ﴾ وحينئذٍ أدرك إخوة يوسف مبلغ ما ارتكبوه في حق أبيهم، ومدى الإيذاء الذي ألحقوه به، وخافوا غضب الله تعالى عليهم، وبطشه بهم
﴿قَالُواْ يأَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَآ إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ﴾ فيما فعلناه
﴿قَالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي﴾ أطلب لكم الغفران منه ﴿إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ﴾ لكل مذنب ﴿الرَّحِيمُ﴾ بكل تائب ولما أبلغوا أباهم رغبة يوسف في اللحاق به: توجهوا جميعاً نحو مصر ولما استشعر يوسف بقدومهم: استقبلهم في خارج
-[٢٩٤]- العمران ودخلوا على يوسف


الصفحة التالية
Icon