﴿وَكَأَيِّن﴾ وكم ﴿مِّن آيَةٍ﴾ دالة على وحدانية الله تعالى وقدرته وعظمته ﴿يَمُرُّونَ عَلَيْهَا﴾ يشاهدونها بأعينهم وألبابهم ﴿وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ﴾ أي معرضون عن دلالتها على خالقها إذ أن كل شيء في هذا الكون يشهد للمولى تعالى بالوجود والقدرة والحكمة والعظمة وليس الجبل بعظمته وضخامته بأكثر دلالة على وجوده تعالى من الحصاة الملقاة في الفلاة، وليس الغزال المستحسن بأدل على قدرته تعالى ووجوده من الخنزير المستهجن؛ بل إن النار والثلج - مع تفاوتهما واختلافهما في الطبائع: فإنهما لم يختلفا في جهة البرهان على وجود مبدعهما ومودع خواصهما
﴿وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ﴾ ما يقرون بوجوده «ولئن سألتهم من خلق السموات والأرض وسخر الشمس والقمر ليقولن الله» ﴿إِلاَّ وَهُمْ مُّشْرِكُونَ﴾ به غيره: يعبدون الأصنام؛ ويقولون: «ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى»
﴿أَفَأَمِنُواْ أَن تَأْتِيَهُمْ غَاشِيَةٌ مِّنْ عَذَابِ اللَّهِ﴾ عقوبة تغشاهم وتشملهم ﴿بَغْتَةً﴾ فجأة
﴿قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي﴾ طريقي ﴿أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ﴾ حجة واضحة ﴿وَسُبْحَانَ اللَّهِ﴾ تنزيهاً له تعالى عما يقولون، وعما يعبدون
﴿وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ﴾ من الرسل ﴿إِلاَّ رِجَالاً﴾ ليس من بينهم امرأة، ولا جني، ولا ملك؛ وهو رد على القائلين «لولا أنزل إليه ملك فيكون معه نذيراً» وهؤلاء الرجال ﴿نُّوحِي إِلَيْهِمْ مِّنْ أَهْلِ الْقُرَى﴾ أي من أهل المدائن؛ ولم يرسل الله تعالى رسولاً من أهل البادية؛ لجفائهم وغلبة القسوة على طباعهم
﴿حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ﴾ يئسوا من إيمان قومهم؛ أو يئسوا من النصر على أقوامهم ﴿وَظَنُّواْ﴾ أي استيقن قومهم ﴿أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُواْ﴾ أي أن الرسل قد أخلفوا ما وعدوا به من النصر، أو ما وعدوا به من نزول العذاب بالمكذبين؛ وقرىء «كذبوا» بالتثقيل؛ أي وتأكد الرسل أنهم قد كذبوا من قومهم تكذيباً لا إيمان بعده. وقال بعضهم: إن المعنى: وظن الرسل أن الله أخلفهم ما وعدهم به؛ وهو كفر لا يجوز نسبته إلى عامة المؤمنين فما بالك بخاصتهم، وما بالك بالرسل؛ الذين هم صفوة عباد الله وخيرته من خليقته ومن عجب أنهم ينسبون هذا التأويل إلى حبر الأمة وترجمان القرآن: ابن عباس رضي الله تعالى عنهما والأعجب من ذلك أنهم يزعمون أن السامع ناقش ابن عباس في ذلك القول؛ فقال له: ألم يكونوا بشراً؟ وتلا قوله تعالى: «حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله ألا إن نصر الله قريب» فاحذر - هداك الله وعافاك - من هذه الدسائس فهي كثر ﴿جَآءَهُمْ نَصْرُنَا﴾ أي جاء الرسل نصرنا ﴿فَنُجِّيَ مَن نَّشَآءُ﴾ وهم المؤمنون ﴿وَلاَ يُرَدُّ بَأْسُنَا﴾ عذابنا ﴿عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ﴾ الكافرين
﴿لَقَدْ كَانَ فِي
-[٢٩٦]- قَصَصِهِمْ﴾ أي قصص الرسل، الذين قصصناهم عليك ﴿عِبْرَةٌ﴾ عظة؛ وهكذا سائر قصص القرآن ﴿مَا كَانَ﴾ القرآن ﴿حَدِيثاً يُفْتَرَى﴾ يختلق؛ كما زعموا أنك اختلقته ﴿وَلَكِن تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ﴾ أي مصدقاً لما تقدمه من الكتب ﴿وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ﴾ تحتاجون إليه في معاشكم ومعادكم.