﴿وَإِن تَعْجَبْ﴾ يا محمد من شيء
﴿فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ أَإِذَا كُنَّا تُرَاباً﴾ في قبورنا ﴿أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ﴾ أي أنبعث بعد ذلك في خلق جديد كما كنا قبل موتنا؟
﴿وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ﴾ ذلك بأنهم سألوا رسول الله أن يأتيهم بالعذاب استهزاء منهم ﴿وَقَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِمُ الْمَثُلاَتُ﴾ أي مضت عقوبات أمثالهم من المكذبين؛ أفلا يتعظون بها؟ ﴿وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِّلنَّاسِ﴾ متى تابوا من ذنوبهم، ورجعوا إلى ربهم ﴿عَلَى ظُلْمِهِمْ﴾ أي مع ظلمهم أنفسهم بالذنوب: قيل: إنها أرجى آية في كتاب الله تعالى ﴿وَإِنَّ رَبَّكَ لَشَدِيدُ الْعِقَابِ﴾ لمن ظلم نفسه بالذنب، ولم يقلع عنه، أو يتب منه. أو شديد العقاب للكافرين
﴿اللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنثَى﴾ ذكراً كان أو أنثى، شقياً أو سعيداً، بليداً أو رشيداً، مليحاً أو قبيحاً، طويلاً أو قصيراً ﴿وَمَا تَغِيضُ الأَرْحَامُ﴾ أي وما تنقص؛ وذلك بإلقاء الجنين قبل تمامه ﴿وَمَا تَزْدَادُ﴾ بزيادة عدد الولد؛ فقد تلد الأنثى واحداً، أو اثنين، أو ثلاثاً، أو أربعاً ﴿وَكُلُّ شَيْءٍ عِندَهُ بِمِقْدَارٍ﴾ بقدر وحكمة؛ حيث تتوفر المصلحة، وتعم المنفعة؛ فترى الكون لا يضيق بساكنيه، لا ينقطع رزقه تعالى عمن خلقه ﴿أَلاَ يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ﴾ وتتجلى حكمة الحكيم العليم في حفظ التوازن بين تعداد السكان وحاجاتهم؛ فترى دائماً عقب الحروب، والجوائح، والكوارث والطواعين: تزداد نسبة المواليد عنها أيام السلام، والأمن، والدعة. وترى أيضاً نسبة الذكورة والأنوثة لا تكاد تتفاوت إلا بالقدر الذي أبيح من أجله تعدد الزوجات.
وترى الطفل حين يولد: يدر له الثدي لبناً خاثراً؛ يسمى اللبأ. وهو خلو من المواد الغذائية؛ مع احتوائه على مواد ملينة؛ تساعد على تنظيف أمعاء الطفل، وإعداده للتغذي؛ وبعد ذلك يتطور اللبن: كماً وكيفاً؛ وتزداد قيمته الغذائية بازدياد الطفل ونموه؛ فكلما كبر سنه ازدادت المواد الغذائية تبعاً لحاجته إليها، فتطغى المواد الدهنية والسكرية على المواد الزلالية والملحية؛ كل هذا والمرضع هي هي لم تتغير، وغذاءها هو هو لم يتطور؛ ولكنه ﴿صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ﴾.
-[٢٩٨]- وترى شجر البوادي في فصل الشتاء، وتوفر الرطوبة والأمطار: مجدباً قاحلاً؛ وفي فصل الصيف مع وجود الحرارة المحرقة، وقلة المياه، وانعدام الأمطار؛ تراه مزدهراً يانعاً مكسواً بالورق؛ فائضاً بالخضرة وما ذاك إلا ليستظل به من حرارة الشمس من ألهبته أشعتها وأحرقته نيرانها؛ مع أن الطبيعة تقتضي وجود الخضرة حيث يتوفر الماء والرطوبة، ووجود القحل حيث توجد الحرارة وتقل الأمطار؛ فسبحان من ﴿وَكُلُّ شَيْءٍ عِندَهُ بِمِقْدَارٍ﴾. وترى فاكهة الشتاء لا تصلح للصيف، وفاكهة الصيف لا تصلح للشتاء