﴿مِّن وَرَآئِهِ﴾ أي بعد انقضاء حياته ﴿جَهَنَّمَ﴾ يصلاها ﴿وَيُسْقَى﴾ فيها ﴿مِن مَّآءٍ صَدِيدٍ﴾ هو ما يسيل من جوف أهل النار من القيح والدم
﴿يَتَجَرَّعُهُ﴾ يبتلعه ﴿وَلاَ يَكَادُ يُسِيغُهُ﴾ يزدرده لرداءته وقبحه ﴿وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِن كُلِّ مَكَانٍ﴾ أي يأتيه أنواع العذاب المقتضية للهلاك، المفضية للموت؛ ولكن الله تعالى يمد في حياته؛ ليزيد في تألمه وتحسره
﴿مَّثَلُ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِمْ أَعْمَالُهُمْ﴾ أي صفة الأعمال الصالحة؛ التي يعملها الذين كفروا بربهم؛ كالصدقة، وحسن الجوار، وصلة الرحم؛ فهذه الأعمال صفتها ﴿كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ﴾ أي يوم شديد هبوب الريح، وكل مائل عن غرضه؛ فهو «عاصف» قال تعالى: ﴿وَقَدِمْنَآ إِلَى مَا عَمِلُواْ مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَآءً مَّنثُوراً﴾ وذلك بالنسبة لأجر الآخرة، أما في الدنيا فيجزون على أعمالهم هذه فيها ﴿وَلاَ يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً﴾ ﴿لاَّ يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُواْ﴾ عملوا في الدنيا ﴿عَلَى شَيْءٍ﴾ أي لا يقدرون على نيل ثوابه في الآخرة ﴿ذلِكَ هُوَ الضَّلاَلُ الْبَعِيدُ﴾ العذاب والهلاك الكبير
﴿وَبَرَزُواْ للَّهِ﴾ أي ظهرت الخلائق ﴿جَمِيعاً﴾ وبرزتلله تعالى من قبورها ﴿فَقَالَ الضُّعَفَاءُ﴾ الأتباع ﴿لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُواْ﴾ السادة والرؤساء ﴿إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا فَهَلْ أَنتُمْ مُّغْنُونَ عَنَّا﴾ دافعون عنا ﴿مِنْ عَذَابِ اللَّهِ مِن شَيْءٍ قَالُواْ﴾ أي الرؤساء المتبوعون ﴿لَوْ هَدَانَا اللَّهُ﴾ إلى الإيمان ﴿لَهَدَيْنَاكُمْ﴾ إليه، أو «لو هدانا» لما ندفع به عذابه «لهديناكم» إليه. وفاتهم أنه تعالى هداهم للإيمان فأبوا، وأرشدهم سواء السبيل فعصوا قال تعالى ﴿وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَينِ﴾ وقال جل شأنه: ﴿وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّواْ الْعَمَى عَلَى الْهُدَى﴾ ﴿سَوَآءٌ عَلَيْنَآ﴾ الآن ﴿أَجَزِعْنَآ﴾ الجزع: ضد الصبر ﴿أَمْ صَبَرْنَا﴾ على ما نحن فيه من العذاب ﴿مَا لَنَا مِن مَّحِيصٍ﴾ منجى ومهرب
﴿وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الأَمْرُ﴾ أي فرغ من الحساب، ودخل أهل الجنة الجنة، وأهل النار النار ﴿إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ﴾ بأن قال: من أطاعني دخل الجنة، ومن عصاني دخل النار؛ فوفى بما وعد؛ وها قد دخلتم النار بعصيانكم، ودخل أهل الجنة الجنة بطاعتهم ﴿وَوَعَدتُّكُمْ﴾ بأن لا بعث، ولا حساب، ولا جزاء ﴿فَأَخْلَفْتُكُمْ﴾ كذبتكم ﴿وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِّن سُلْطَانٍ﴾ تسلط وقوة؛ حتى ألزمكم بالعصيان، وأكرهكم على الكفر
-[٣٠٨]- ﴿إِلاَّ أَن دَعَوْتُكُمْ﴾ للكفر والعصيان ﴿فَاسْتَجَبْتُمْ لِي﴾ أجبتم ندائي؛ بغير تعقل أو روية ﴿فَلاَ تَلُومُونِي﴾ الآن ﴿وَلُومُواْ أَنفُسَكُمْ﴾ على تغفلكم وعدم حرصكم ﴿مَّآ أَنَاْ بِمُصْرِخِكُمْ﴾
بمغيثكم. أي بمجيب صراخكم ﴿إِنِّي كَفَرْتُ بِمَآ أَشْرَكْتُمُونِ مِن قَبْلُ﴾ أي بإشراككم إياي مع الله في الطاعة والعبادة