﴿إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَآ أَنزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتَابِ﴾ وهم اليهود والنصارى؛ كتموا نعت محمد عليه الصَّلاة والسلام؛ وهو موصوف عندهم في التوراة والإنجيل ﴿وَيَشْتَرُونَ بِهِ﴾ أي بذلك الكتمان ﴿ثَمَناً قَلِيلاً﴾ هو ما يأخذه أحبارهم ورهبانهم ﴿وَلاَ يُزَكِّيهِمْ﴾ لا يطهرهم. والمعنى: لا يغفر لهم
﴿أُوْلَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرُواْ الضَّلاَلَةَ﴾ الكفر والمعصية ﴿بِالْهُدَى﴾ بالإيمان والطاعة ﴿وَالْعَذَابَ﴾ الذي ينالهم؛ عقوبة على ضلالهم وكفرهم ﴿بِالْمَغْفِرَةِ﴾ التي تنال المؤمنين المهتدين؛ جزاء إيمانهم وطاعتهم
ومن عجب أن ينصرف كثير من الناس عن إرضاء مولاهم؛ إلى الحرص على دنياهم وينصرف آخرون إلى إرضاء المخلوقين، وإغضاب رب العالمين؛ قال الشاعر:
عجبت لمبتاع الضلالة بالهدى
وللمشتري دنياه بالدين: أعجب
وأعجب من هذين: من باع دينه
بدنيا سواه: فهو من ذين أخيب
﴿شِقَاقٍ﴾ خصام وجدال وخلاف ﴿بَعِيدٍ﴾ كبير
﴿لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ﴾ في الصلاة ﴿وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ﴾ ب الله إيماناً حقيقياً ﴿وَالْيَوْمِ الآخِرِ﴾ أي وآمن بالقيامة وما فيها من بعث وحساب، ونعيم وعذاب ﴿وَالْكِتَابِ﴾ أي وآمن بالكتاب؛ وهو اسم جنس. أي آمن بسائر الكتب المنزلة ﴿وَآتَى الْمَالَ﴾ أعطاه وبذله ﴿عَلَى حُبِّهِ﴾ أي رغم حبه للمال، وحاجته إليه، وافتقاره له؛ لأن مقتضى الحب: الحاجة إلى المحبوب، والتشوق إليه. وقيل: في سبيل حبه تعالى، ورغبة في إرضائه جل شأنه
والمراد: أن يعطي المال وهو طيب النفس بإعطائه (انظر آية ٣٢ من سورة الزخرف) ﴿وَابْنَ السَّبِيلِ﴾ المسافر المنقطع ﴿وَفِي الرِّقَابِ﴾ أي إعتاق العبيد، وفك الأسرى. والرق معروف - من أقدم العصور - قبل الإسلام؛ فقد عرف في مصر الفرعونية، وفي دولة آشور، ودول فارس، والدولة الرومانية والبيزنطية؛ ولم يكن الإسلام مؤسساً للرق وموجداً له - كما يزعم الكثيرون - بل كان داعياً إلى التخلص منه والقضاء عليه؛ لما يكتنفه من المباهاة والمفاخرة وإذلال الغير. وحين بزغ قمر السلام، ولاح فجر الإسلام، وسطعت
-[٣٢]- أنوار الحرية: سعى الدين إلى رفع الذل والعبودية عن الأرقاء؛ فجعل من العتق قربة إلى الله تعالى ومنجاة من العذاب، وكفارة من الإثم فدعا بذلك إلى حرية الجنس الإنساني، وقدسية الآدمية (انظر آية ٩٢ من سورة النساء). ﴿الْبَأْسَآءِ﴾ الفقر ﴿والضَّرَّاءِ﴾ المرض ﴿وَحِينَ الْبَأْسِ﴾ وقت اشتداد القتال


الصفحة التالية
Icon