﴿وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِناً﴾ البلد: مكة؛ زادها الله تعالى شرفاً وأمناً ﴿وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ الأَصْنَامَ﴾ وقد استجاب الله تعالى لإبراهيم دعوته فلم يعبد أحد من ولده صنماً قط
﴿رَبِّ إِنَّهُنَّ﴾ أي الأصنام ﴿أَضْلَلْنَ كَثِيراً مِّنَ النَّاسِ فَمَن تَبِعَنِي﴾ منهم ﴿فَإِنَّهُ مِنِّي﴾ أي شأنه كشأني. وذلك كقوله: «ليس منا من لطم الخدود، وشق الجيوب، ودعا بدعوة الجاهلية». ﴿وَمَنْ عَصَانِي﴾ فلم يؤمن بك، ولم يستجب لدعوتك ﴿فَإِنَّكَ غَفُورٌ﴾ لذنوب المذنبين؛ بفضلك ﴿رَّحِيمٌ﴾ بعبادك تغفر لمن تشاء منهم، وتعفو عمن تشاء قال نبي الله عيسى ابن مريم صلوات الله تعالى وسلامه عليهما:
﴿إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾
﴿رَّبَّنَآ إِنَّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي﴾ زوجه هاجر وولدها إسماعيل ﴿بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ﴾ مكة شرفها الله تعالى ﴿فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ﴾ لو قال عليه الصَّلاة والسَّلام: فاجعل أفئدة الناس تهوى إليهم؛ بغير «من» لما بقي على ظهر الأرض إنسان إلا وذهب إليهم بقلبه ولبه (انظر آية ٦٠ من سورة غافر) ﴿وَارْزُقْهُمْ مِّنَ الثَّمَرَاتِ﴾ وقد استجاب الله تعالى لإبراهيم دعاءه؛ فجلبت لهم الثمار من سائر الأقطار؛ وقد لا يتذوقها جانيها قبل أن يتذوقوها؛ فانظر يا أخي حكمة الحكيم العليم وبعد أن دعا إبراهيم ربه بما شاء: ختم دعاءه بحمده على نعمائه
﴿الْحَمْدُ للَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ﴾ بعد أن يئست من القوة والولد «وهب لي» ﴿إِسْمَاعِيلَ﴾ جد نبينا عليهم الصَّلاة والسَّلام ﴿وَإِسْحَاقَ﴾ بعد إسماعيل ﴿إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَآءِ﴾ لمن دعاه مؤمناً به، موقناً بإجابته
﴿رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاَةِ وَمِن ذُرِّيَتِي﴾ أيضاً اجعلهم مقيمي الصلاة.
وهي خير دعوة يدعوها المؤمن؛ فلا أحب له، ولا أنفع، ولا أصلح من أن يكون مقيماً للصلاة هو وذريته ﴿رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَآءِ﴾ من آداب الدعاء: أن يدعو الإنسان ربه بقبول دعائه، وأن يكون متيقناً بالإجابة؛ وإلا فهو شاك في قدرة ربه القادر على كل شيء
﴿وَلاَ تَحْسَبَنَّ﴾ يا محمد أن ﴿اللَّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ﴾ لسكوته عليهم، وإغفاله لهم ﴿إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ﴾ في التعذيب والانتقام ﴿لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأَبْصَارُ﴾ شخص بصره: إذا فتح عينيه من غير أن يطرف؛ وهذا لشدة ذهولهم ورعبهم ﴿مُهْطِعِينَ﴾ مادي أعناقهم، أو مسرعين ﴿مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ﴾ رافعيها


الصفحة التالية
Icon