﴿يأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ﴾ فرض ﴿عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ﴾ فقد كان الصوم مفروضاً على من تقدمنا من الأمم ﴿لَعَلَّكُمْ﴾ بسبب هذا الصيام ﴿تَتَّقُونَ﴾ الله تعالى، وتخشون غضبه، وتعملون بأوامره؛ ومن هذا يعلم أن الصيام يبعث على الإيمان الصادق، ويرقق القلب، ويصفي النفس، ويعين على خشية الله تعالى؛ ولذا استعان به الأنبياء في تحقيق مآربهم، والأولياء في تهذيب نفوسهم، والخاصة في شفاء قلوبهم، والعامة في شفاء جسومهم
﴿أَيَّاماً مَّعْدُودَاتٍ﴾ أي قلائل ﴿وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ﴾ يتحملونه بجهد ومشقة؛ وهو رخصة لمن يتعبه الصوم ويجهده (انظر آية ٢٢٦ من هذه السورة) ﴿فَمَن تَطَوَّعَ خَيْراً﴾ زاد في الإطعام، أو زاد في الصيام؛ تطوعاً منه فوق ما فرض عليه من الإطعام والصيام ﴿فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ﴾ وفي هذا ما فيه من الحث على الإطعام، والترغيب في الصيام. ومنه يعلم ما في الصيام من فوائد جمة لا تدركها العقول؛ فإنه فضلاً عن كونه مرضات للرب، ومطهرة للنفس؛ فقد ثبت أنه علاج ناجع لكثير من الأمراض المستعصية؛ وقد يكون العلاج الوحيد لضغط الدم، وقد أجمع الأطباء على فائدته الكبيرة لمرضى السكر؛ يدل على ما تقدم قوله تعالى ﴿وَأَن تَصُومُواْ﴾ حال المرض والسفر ﴿خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ ما فيه مصالحكم
﴿وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى﴾ آيات الكتاب الكريم ﴿وَالْفُرْقَانِ﴾ الذي يفرق بين الحق والباطل ﴿فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ﴾ أي حضره؛ ولم يكن مسافراً، ولا مريضاً ﴿فَلْيَصُمْهُ﴾ وليس معنى الشهود: الرؤية والمشاهدة ﴿وَلِتُكْمِلُواْ الْعِدَّةَ﴾ أي عدة الشهر؛ ليتساوى صائم الشهر كاملاً، مع من قضى ما فاته لعذر
﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي﴾ أين ربنا؟ وهل يسمع لدعائنا، ويستجيب لندائنا؟ ﴿فَإِنِّي قَرِيبٌ﴾ منهم؛ أسمع نجواهم وشكواهم، و ﴿أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ﴾ ورب قائل يقول: إنني أسأله في كل يوم فلا يعطيني، وأناديه في كل ساعة فلا يجيبني. والجواب على هذا القائل: إنك أيها السائل لم تسأل ربك بل امتحنته، ولم تناده بل سخرت منه؛ ولو أنك ناديته بحق لأجابك، وسألته بصدق لاستجاب لك
إن من شرائط السؤال - أيها الممتحن لربه، الساخر بقدرته - أن تتيقن بإجابته تيقنك بوجودك، وأن تثق بما عنده وثوقك بنفسك: تسأل صديقك - الذليل الحقير الضعيف الفقير - أن يعطيك شيئاً؛ وأنت على تمام الوثوق، ومزيد اليقين بإجابة سؤالك، وتدعو ربك - المعطي المانع، الضار النافع - أن يهبك أحقر الأشياء؛ وأنت من الإجابة آيس، ومن عطائه قانط فما ترجوه بعد هذا الكفران؟ تؤمن
-[٣٤]- بصديقك أكثر ما تؤمن بربك، وترجو إجابة سؤالك ودعائك؛ هيهات هيهات أن يجاب لك؛ قبل أن تحسن ظنك به، وتثق بما عنده، وتعبده كأنك تراه، وتخشاه كأنه يراك (انظر آية ٦٠ من سورة غافر) ﴿فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي﴾ إذا دعوتهم لما يصلحهم وينجيهم؛ لأجيبهم فيما يطلبونه مني
ومن هذا يعلم أن الإيمان والعمل الصالح: شرط في قبول الدعاء ﴿لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ﴾ يصيبون الرشد والسداد، ويوفقون لما يجعلهم مجابي الدعاء، عظيمي الرجاء


الصفحة التالية
Icon