﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإحْسَانِ﴾ والعدل: يتناول القول، والفعل، والإشارة؛ بل يتناول كل المعاملات في شتى صورها. والعدل: جماع الفضائل كلها؛ فمن جعل العدل ديدنه: أحاطه الحب من كل جانب، وصار في عداد الأبرار، الأخيار، الأطهار قال تعالى: ﴿اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى﴾.
ولما كان العدل قرين الإحسان، والإحسان: هو صلب العدل وأساسه؛ أمر الله تعالى به أيضاً فقال ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإحْسَانِ﴾ والإحسان: يشمل كل خير يصل إلى الإنسان والحيوان، وهو أيضاً يشمل الأقوال والأفعال.
ولما كان العدل والإحسان لا يتمان إلا بصلة ذي القربى قال تعالى: ﴿وَإِيتَآءِ ذِي الْقُرْبَى﴾ وهو صلة الرحم، أو هو كل قريب منك: في النسب، أو الجوار؛ ووصلهم: بأن يبر فقيرهم، ويزور غنيهم، ويعود مريضهم، ويشيع موتاهم، متحبباً إليهم لذاتهم وقربهم؛ لا لمالهم وجاههم
لما أمر الله تعالى بالعدل والإحسان وبر الأقرباء؛ نهى عن أضداد هذه الصفات؛ فقال جل شأنه ﴿وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ﴾ والفحشاء: كل قبيح من قول أو فعل، أو هو الزنا «والمنكر» كل ما ينكره الشرع والعرف والذوق السليم؛ وهو شامل لجميع المعاصي، والرذائل، والدناءات؛ «والبغي» الظلم والكبر، والاعتداء؛ وهو إجمالاً تجاوز الحد
﴿وَأَوْفُواْ بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدتُّمْ﴾ الناس؛ سمى الله تعالى العهود، والعقود، والمواثيق: عهوداً معه جل شأنه. (انظر آيتي صلى الله عليه وسلّم من سورة المائدة، و٧٢ من سورة الأنفال) ﴿وَلاَ تَنقُضُواْ الأَيْمَانَ﴾ أي لا تحنثوا في أيمانكم وتكذبوا فيها ﴿بَعْدَ تَوْكِيدِهَا﴾ بعد إبرامها مع الغير، وبعد أن ترتبت لذلك الغير حقوق والتزامات في أعناقكم ﴿وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً﴾ أي شاهداً ورقيباً، أو متكفلاً بالوفاء؛ حيث حلفتم به
﴿وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِن بَعْدِ قُوَّةٍ﴾ أي كالمرأة التي أفسدت غزلها من بعد أن تعبت فيه وأحكمته ﴿أَنكَاثاً﴾ أنقاضاً. وهو ما ينكث فتله: أي يحل نسجه ﴿تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ﴾ أي خديعة وفساداً، وتغريراً بالمحلوف له؛ ليطمئن إليكم؛ وأنتم مضمرون له الغدر وترك الوفاء. والدخل: ما يدخل في الشيء فيفسده؛ لأنه ليس منه ﴿أَن تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَى﴾ أنمى وأكثر وأقوى ﴿مِنْ أُمَّةٍ﴾ فتنقضون العهود، وتحنثون في الأيمان: مرضاة للأمة الأقوى ﴿إِنَّمَا يَبْلُوكُمُ اللَّهُ بِهِ﴾ يختبركم بالوفاء بالعهد والأيمان
﴿وَلَوْ شَآءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً﴾
بطريق القسر والجبر ﴿وَلكِن يُضِلُّ﴾ الله تعالى ﴿مَن يَشَآءُ﴾ إضلاله؛ بعد أن يعرض
-[٣٣٢]- عليه الإيمان فيأباه، ويسلكه في قلبه فيرفضه، ويسوق له الدليل تلو الدليل على ألوهيته ووحدانيته؛ فيزداد تمسكاً بما كان عليه آباؤه وأجداده


الصفحة التالية
Icon