﴿وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُواْ بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ﴾ ليس معنى ذلك أن من قتل ابني جاز لي أن أقتل ابنه، ومن قتل أبي جاز لي أن أقتل أباه، ومن سمم إبلي جاز لي أن أسمم إبله؛ بل المراد: معاقبة الآثم نفسه بمثل إثمه؛ فإن قتل: قتل.
وإن ألحق بالغير غرماً: غرم بغرم مماثل لما ألحقه بالآخرين ﴿وَلَئِن صَبَرْتُمْ﴾ عن الانتقام والمعاقبة ﴿لَهُوَ خَيْرٌ لِّلصَّابِرينَ﴾ في الدنيا بترك الحزازات، ومنع الثأر والبغضاء الكامنة في النفوس؛ وفي الآخرة بما أعده الله تعالى للصابرين من جزيل لأجر، وواسع المغفرة ﴿وَاصْبِرْ﴾ يا محمد على أذى قومك
﴿وَمَا صَبْرُكَ إِلاَّ بِاللَّهِ﴾ بمعونته وتوفيقه.
سورة الإسراء
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
﴿سُبْحَانَ﴾ تنزيه له تعالى من كل نقص؛ ولا يجوز أن ينزه به غيره من المخلوقين؛ وهي كلمة تدل على نهاية التنزيه، وغاية التقديس؛ وهي من السبح: بمعنى الذهاب والإبعاد. أي أنزه الله تعالى عن النقائص، وأبعده عن صفات المخلوقين، وأجله عما وصفه به الكافرون، وافتراه عليه المكذبون الضالون ﴿الَّذِي أَسْرَى﴾ الإسراء: السير ليلاً ﴿بِعَبْدِهِ﴾ قال تعالى «بعبده» ولم يقل بنبيه، أو برسوله؛ لأن صفة العبودية: هي غاية الغايات، وأشرف النعوت والصفات؛ يبتغيها العارفون، ويتمناها المخلصون ﴿إِلَى﴾ بيت المقدس؛ وقد كان التوجه إليه في الصلاة قبل تحويل القبلة ﴿الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ﴾ يريد بركات الدين والدنيا؛ لأنه كان مهبط الوحي، ومتعبد الأنبياء عليهم السلام ﴿أَنَّهُ﴾ أي النبي صلوات الله تعالى وسلامه عليه ﴿هُوَ السَّمِيعُ﴾ لأوامري، المبلغ لها، العامل بها ﴿البَصِيرُ﴾ المتبصر في ملوكتي، المعتبر بآياتي، المتدبر في عظمتي وجبروتي أو الضمير عائد لله تعالى؛ فهو جل شأنه سميع لكل المسموعات، بصير بكل المبصرات ويأخذ بالرأي الأول المتصوفة؛ أما أرباب الكلام فلا يرون إلا القول الثاني