﴿وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ﴾ أي ألن جانبك، وكن ذليلاً في معاملتهما - مهما كنت عزيزاً - حباً فيهما، ورحمة بهما؛ فقد أذللتهما في صغرك وأتعبتهما وأشقيتهما؛ وقد أحباك كل الحب ورحماك كل الرحمة فكن لهما محباً، وبهما رحيماً، ليحبك الرحمن، ويرحمك الرحيم
﴿لِلأَوَّابِينَ﴾ الراجعين إلى الله تعالى
﴿وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ﴾ بعد أن أمر الله تعالى عباده بعبادته، وبالإحسان إلى الوالدين والتذلل لهما: أردف بذوي القربى، ووجوب إيفائهم حقوقهم التي جعلها في أعناقنا؛ فأمرنا بإيتائها لهم. ومن هذه الآية يعلم أي للأقرباء حقوقاً أقلها: معاونة فقرائهم، وزيارة أغنيائهم، ومواساة ضعفائهم. وبعد أن أمرنا تعالى ببر الوالدين والأقرباء؛ ولبعضهم من الحقوق ما يستأهل البر والعطف والمساعدة؛ بعد ذلك عرفنا تعالى أن لكل محتاج - قريب كان أو بعيد - حقاً واجب الأداء والوفاء؛ قال تعالى: ﴿وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ﴾ وهو المسافر الذي انقطع به الطريق واعلم - هديت وكفيت - أن هذا الحق الذي أمر به الله تعالى غير فريضة الزكاة؛ فاحرص على ذلك حرصك على دينك ﴿وَلاَ تُبَذِّرْ تَبْذِيراً﴾ بالإنفاق في غير طاعة الله تعالى؛ فلو أنفق سائر ماله في الخير والصدقة: ما كان من المبذرين إذ أنه لا خير في السرف، ولا سرف في الخير ولا يعقل أن يكون البار بالمساكين، من إخوان الشياطين
﴿إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُواْ إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ﴾ وقد خرج أبو بكر رضي الله تعالى عنه من سائر ماله في سبيل الله تعالى؛ فكان ذلك إحدى محامده
﴿وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ﴾ أي عمن ذكر؛ لضيق ذات يدك، وفقر به الله امتحنك ﴿ابْتِغَآءَ رَحْمَةٍ مِّن رَّبِّكَ﴾ أي طلباً لرزق يأتيك؛ فتوفي به ما عليك مما أمرك الله تعالى به، وألزمك بأدائه.
ومن عجب أن نرى في زماننا بعض من أفاء الله تعالى عليهم بالمال الكثير، والرزق الوفير؛ وقد بدلوا نعمة الله كفراً؛ وجزوا والديهم عقوقاً وخذلاناً، وأقربائهم ذلاً وحرماناً، ومساكينهم قهراً ونهراً؛ في حين أنهم في سعة من العيش؛ يسرفون في ملذاتهم وشهواتهم بغير حساب بينا نجد فقيراً مدقعاً يتعثر في أسماله، ولا يكاد يفي بحاجة عياله؛ إذا به يقتطع من قوته فيعطي الأبوين والأقرباء، ولا ينسى المساكين والفقراء وذلك فضل من الله يؤتيه من يشاء والله يجزي العاملين، ويتولى الصالحين ﴿فَقُل لَّهُمْ قَوْلاً مَّيْسُوراً﴾ سمحاً سهلاً: بأن تعدهم بالإعطاء، عند حلول العطاء، وبأن توسع عليهم عندما يغدق المولى
-[٣٤٢]- عليك وبذلك يكون رفقك سبباً في رزقك، وسخاؤك سبباً في رخائك


الصفحة التالية
Icon