﴿وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ فَظَنُّواْ﴾ تيقنوا وتأكدوا؛ والظن يأتي في القرآن الكريم دائماً بمعنى اليقين؛ ما لم تدل قرينة السياق على خلافه؛ كقوله تعالى: ﴿إِن نَّظُنُّ إِلاَّ ظَنّاً وَمَا نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ﴾ ﴿مُّوَاقِعُوهَا﴾ مخالطوها وواقعون فيها
﴿وَلَقَدْ صَرَّفْنَا﴾ بيّنا ﴿مِن كُلِّ مَثَلٍ﴾ ضربناه للناس: تقريباً لأفهامهم، وكل عظة تسلك في قلوبهم، وكل حجة تدخل في عقولهم: ليتذكروا، ويتعظوا، وينزجروا، وينيبوا ﴿وَكَانَ الإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلاً﴾ أي أكثر مراء، وخصومة: لا يرجع عن باطله، ولا يثوب إلى رشده ولعل المراد بالإنسان: الكافر فحسب؛ فقد وصفه الله تعالى بالجدال في غير موضع من كتابه الكريم: ﴿وَجَادَلُوا بِالْبَاطِلِ﴾ ﴿وَيُجَادِلُ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِالْبَاطِلِ﴾ ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ﴾
﴿وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَن يُؤْمِنُواْ إِذْ جَآءَهُمُ الْهُدَى﴾ أي أيّ مانع يمنع الناس عن الإيمان؛ بعد نزول القرآن؟ ولا حجة لمن ألحد بزعمه أن الله تعالى منعهم عن الإيمان، وصرفهم عن الإيقان؛ بل وسلك في قلوبهم الكفران؛ تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً (انظر آية ٢٠٠ من سورة الشعراء) ﴿إِلاَّ أَن تَأْتِيَهُمْ سُنَّةُ الأَوَّلِينَ﴾ أي إن المانع لهم من الإيمان: بالغ جهلهم، ومزيد حمقهم؛ وطلبهم معاينة الهلاك الذي حل بأمثالهم من الأمم السابقة؛ كقولهم «اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم» ﴿أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ قُبُلاً﴾ مقابلة وعياناً
﴿وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلاَّ مُبَشِّرِينَ﴾ من آمن بالجنة ﴿وَمُنذِرِينَ﴾ من كفر بالنار ﴿لِيُدْحِضُواْ﴾ يبطلوا ﴿وَاتَّخَذُواْ آيَاتِي﴾ القرآن ﴿وَمَا أُنْذِرُواْ﴾ به من الحساب والعذاب ﴿هُزُواً﴾ سخرية
﴿وَمَنْ أَظْلَمُ﴾ أي لا أحد أظلم ﴿مِمَّن ذُكِّرَ بِآيِاتِ رَبِّهِ﴾ المنذرة له بسوء المنقلب ﴿وَنَسِيَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ﴾ من كفر وعصيان؛ فلم يرجع عن كفره، ولم يتب من عصيانه ﴿إِنَّا جَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً﴾
أغطية ﴿أَن يَفْقَهُوهُ﴾ أن يفهموا هذا القرآن: عقوبة لهم. قال تعالى: «ونقلب أفئدتهم وأبصارهم كما لم يؤمنوا به أول مرة ونذرهم في طغيانهم يعمهون» جعلنا ﴿وَفِي آذَانِهِمْ وَقْراً﴾ صمماً أن يسمعوه ذلك لأنهم ﴿وَإِن تَدْعُهُمْ إِلَى الْهُدَى فَلَنْ يَهْتَدُواْ إِذاً أَبَداً﴾ كفراً منهم وعناداً


الصفحة التالية
Icon