﴿أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ﴾ والمسكين: أحسن حالاً من الفقير؛ لأن الفقير: هو الذي لا يجد القوت، والمسكين: الذي يجد الكفاف؛ ألا ترى إلى قوله تعالى: ﴿أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ﴾ فوصفهم تعالى بالمسكنة؛ مع أنهم يملكون سفينة تؤجر للركوب والحمل؟ وقال قوم بأن المسكين أشد بؤساً من الفقير. والقول الذي قلناه أولى؛ يظاهره المعقول والمنقول؛ وقد كان رسولالله يتعوذ من الفقر، وكان يقول: «اللهم أحيني مسكيناً وأمتني مسكيناً» ويستحيل عقلاً أن يتعوذ عليه الصَّلاة والسَّلام من الفقر؛ ثم يسأل ما هو أسوأ حالاً منه. وقد قيده تعالى بقوله: ﴿أَوْ مِسْكِيناً ذَا مَتْرَبَةٍ﴾ أي ذا فقر ﴿وَكَانَ وَرَآءَهُم﴾ أي في طلبهم. وقيل: «وراءهم» أي أمامهم في سيرهم
﴿فَخَشِينَآ أَن يُرْهِقَهُمَا طُغْيَاناً وَكُفْراً﴾ إذا عاش وبلغ مبلغ الرجال؛ لأن الله تعالى علم عنه ذلك، وأمرني بما هنالك
﴿فَأَرَدْنَآ أَن يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا﴾ من الأبناء الصلحاء ﴿خَيْراً مِّنْهُ زَكَاةً﴾ أي إيماناً وصلاحاً وتقى ﴿وَأَقْرَبَ رُحْماً﴾
أي رحمة بوالديه، وبراً بهما فانظر يا رعاكالله، إلى حكمةالله: لقد فرح الأبوان بابنهما حين ولد، وحزنا عليه حين قتل؛ ولو بقي لخسرا بسببه الدنيا والآخرة فارض هداكالله، بقضاءالله؛ فإن قضاءه للمؤمن فيما يكره؛ خير له من قضائه فيما يحب
﴿وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحاً﴾ يؤخذ من هذا: أن صلاح الآباء، ينفع الأبناء؛ حتى قيام الساعة ﴿فَأَرَادَ رَبُّكَ أَن يَبْلُغَآ أَشُدَّهُمَا﴾ أي رشدهما. وبلوغ الأشد: اكتمال القوة؛ وهو ما بين ثماني عشرة، إلى ثلاثين سنة ﴿وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي﴾ وإنما فعلته بوحي من ربي؛ وهذا أيضاً دليل على نبوة الخضر عليه السلام؛ كما قدمنا
﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَن ذِي الْقَرْنَيْنِ﴾ قيل: إنه الاسكندر الأكبر الرومي المقدوني. وقيل: إنه غيره. وذهب قوم إلى أنه نبي، أو رجل صالح؛ أرسله الله تعالى لإحداث أحداث كونية، روحية؛ وقد مدحه الله تعالى في القرآن. وسبب تسميته بذي القرنين:
-[٣٦٣]- أنه بلغ قطري الأرض؛ من مشرقها إلى مغربها. وقيل: سمي بذلك لأن له ضفيرتان كالقرنين. وقيل: لأنه عاش قرنين من الزمان؛ والله تعالى أعلم وأحكم