﴿ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَواْ وَّنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيّاً﴾ نتركهم في النار باركين على ركبهم. وقيل: المراد بالورود: دخول الكافر فيها، ومرور المؤمن عليها؛ ليؤمن بالعذاب الأليم: من آمن بالنعيم المقيم
﴿قَالَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لِلَّذِينَ آمَنُواْ أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ﴾ نحن أم أنتم ﴿خَيْرٌ مَّقَاماً﴾ إقامة في الدنيا ﴿وَأَحْسَنُ نَدِيّاً﴾ بمعنى النادي؛ وهو مجتمع القوم: يتحدثون فيه ويتسامرون. أي نحن كنا أحسن حالاً منكم قال تعالى رداً عليهم وعلى أمثالهم
﴿وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِّن قَرْنٍ﴾ أمة من الأمم الماضية ﴿هُمْ أَحْسَنُ﴾ من هؤلاء المكذبين المتعالين ﴿أَثَاثاً﴾ مالاً ومتاعاً ﴿وَرِءْياً﴾ منظراً وهيئة
﴿قُلْ﴾ لهم يا محمد ﴿مَن كَانَ فِي الضَّلاَلَةِ﴾ منغمساً فيها، مستمرئاً لها. و «الضلالة» الكفر ﴿فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمَنُ﴾ في كفره، وفي عمره، وفي رزقه، وفي ولده، وفي ماله ﴿مَدّاً﴾ طويلاً في الدنيا؛ يستدرجه به (انظر آية ٢٤ من سورة ص) ﴿حَتَّى إِذَا رَأَوْاْ مَا يُوعَدُونَ﴾ ما أوعدهم به رسولهم ﴿إِمَّا العَذَابَ﴾ في الدنيا: بالقتل، والأسر، والقحط ﴿وَإِمَّا السَّاعَةَ﴾ القيامة؛ المشتملة على جهنم المعدة لهم ﴿فَسَيَعْلَمُونَ﴾ حينئذٍ ﴿مَنْ هُوَ شَرٌّ مَّكَاناً﴾ أهم أم المؤمنون؟ ﴿وَأَضْعَفُ جُنداً﴾ وجندهم الشياطين، وجند المؤمنين الملائكة المكرمون
﴿وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ﴾ الطاعات؛ يبقى ثوابها لصاحبها ﴿وَخَيْرٌ مَّرَدّاً﴾ خير مرجعاً وعاقبة
﴿وَقَالَ لأُوتَيَنَّ مَالاً وَوَلَداً﴾ معتمداً على فنه وقوته؛ ولم يعتمد على ربه ومشيئته
﴿أَطَّلَعَ الْغَيْبَ﴾ أي هل اطلع على الغيب؛ فعلم أنه سيؤتى المال والولد ﴿أَمِ اتَّخَذَ عِندَ الرَّحْمَنِ عَهْداً﴾ بأن يؤتيه كل ما يريد
﴿كَلاَّ﴾ أي لن يؤتى المال والولد كما زعم: معانداً ربه. و «كلا» لم تجىء في النصف الأول من القرآن الكريم، وجاءت في ثلاثة وثلاثين موضعاً في النصف الأخير منه؛ وهذه أولاها. وهي تجيء بمعنيين: أحدهما: حقاً؛ ويكون متعلقاً بما بعده. وثانيهما: بمعنى: لا؛ ويكون متعلقاً بما قبله. وقد تحتمل المعنيين معاً في بعض المواضع: كهذا الموضع الذي نحن بصدده؛ فيجوز أن يكون المعنى: لا، لم يطلع على الغيب، ولم يتخذ عند الرحمن عهداً. ويجوز أن يكون المعنى: حقاً ﴿سَنَكْتُبُ مَا يَقُولُ﴾ لنعاقبه عليه. والمعنى الأول أوضح، وأجدر بالاتباع. وقال الفراء: «كلا» حرف رد؛ فكأنها نعم، ولا؛ في الاكتفاء، وإن جعلتها صلة لما بعدها: لم تقف عليها؛ كقوله تعالى ﴿كَلاَّ وَالْقَمَرِ﴾ وقال الأكثرون: لا يوقف على «كلا» في جميع القرآن؛ لأنها جواب؛ والفائدة تقع فيما بعدها ﴿وَنَمُدُّ لَهُ مِنَ الْعَذَابِ مَدّاً﴾ نزيده عذاباً فوق العذاب
﴿وَنَرِثُهُ مَا يَقُولُ﴾ أي نورثه جزاء ما قاله من الكبر والكفر، أو نسلبه يوم القيامة ما آتيناه في الدنيا من مال وولد ﴿وَيَأْتِينَا
-[٣٧٤]- فَرْداً﴾ منفرداً، بغير مال، ولا ولد، ولا معين