لساعته؛ فمن يربط للوحوش في الفلوات؟ إن الهادي يهديها، والرشيد يرشدها: فتقطع سرة مولودها بأسنانها؛ بعد أن تترك جزءاً كافياً لحفظ حياته. وهكذا الكلاب والهررة وأشباهها. وترى النحلة وقد اهتدت إلى طعامها وشرابها فالتهمت من الزهرة رحيقها، دون أن تتلفها، ومن الثمرة صفوتها دون أن تنقصها، وبعد ذلك تتجه إلى خليتها - من غير أن تضل عنها - فتفرغ فيها العسل؛ بعد أن تعد له أوعيته من الشمع بشكل أنيق، ونظام دقيق وكل ذلك بهداية الهادي القدير جل شأنه، وعز سلطانه
وفوق كل هذا فإن النوع الإنساني يعتبر واحداً بين ملايين الأنواع التي تزخر بها هذه الأرض التي تعتبر من أصغر الكواكب المخلوقةلله تعالى. وبعض هذه الأنواع يعيش معنا فنراه ويرانا، وبعضها ينتشر بيننا فلا نراه؛ لتناهيه في الصغر والدقة، وأنواع أخرى لا يحصيها سوى خالقها: بعضها في أعماق الماء، وبعضها في عنان السماء، وبعضها تحت الثرى، وبعضها فوق الذرى؛ وبعضها في بطون الصخور؛ كل أولئك يسيرها الخالق القدير، وينظمها ﴿الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى﴾.
ولا شك أن هناك أنواعاً أخرى - تعد بالملايين - لم ندر من أمرها شيئاً، ولم يصل إلى علمنا بصيص من معرفتها، ولا ندري كيف تحيا، وكيف تعيش.
والنوع الإنساني يعيش بين هذه الملايين كفرد في هذه المجموعة الضخمة من الأحياء
وهذه المخلوقات - التي لا عداد لها - يتنازعها حب البقاء، والتشبث بالحياة؛ شأن بني الإنسان تماماً؛ ولو ترك أحدها على سجيته ونما على طبيعته لضاقت به الأرض بما رحبت، ولما وسعه هذا الكوكب الكبير الصغير.
وكل واحد من هذه المخلوقات - صغيرها وكبيرها، عظيمها وحقيرها - له رسالة قائم بأدائها؛ رسمها له النافع الضار، اللطيف الخبير وقد لا يدرك الإنسان أهمية هذه الرسالة؛ ولكن الخالق الأعظم يراها لازمة لزوم الماء والهواء؛ ليسير بنا وبغيرنا ركب الحياة.
وهناك نظام دقيق للتوازن الحيوي بين سائر المخلوقات؛ وضعه المبدع الحكيم فلو ترك ذكر واحد وأنثى واحدة من الذباب؛ وعاش نسلهما، وتناسل هذا النسل - لمدة ستة شهور فحسب - لغطى الذباب سطح الكرة الأرضية بعمق سبعة وأربعين قدماً.
وما يقال عن الذباب؛ يقال أيضاً عن الجراد والنمل وغيرهما. فلم نر جحافل الجراد الضخمة، وأسراب


الصفحة التالية
Icon