﴿وَتَاللَّهِ﴾ قسم ﴿لأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ﴾ أحطمها؛ قال ذلك في نفسه - بعد مجادلة قومه - وقد حطمها فعلاً
﴿فَجَعَلَهُمْ جُذَاذاً﴾ مكسرين فتاتاً ﴿إِلاَّ كَبِيراً لَّهُمْ﴾ أي صنماً كبيراً
﴿قَالُواْ فَأْتُواْ بِهِ عَلَى أَعْيُنِ النَّاسِ﴾ أي على مرأى منهم
﴿قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا﴾ وأشار إلى الصنم الكبير الذي تركه من غير تحطيم. وقيل: إنه كنى بأصبعه ﴿فَاسْأَلُوهُمْ إِن كَانُواْ يِنْطِقُونَ﴾ أراد عليه الصلاة والسلام أن يريهم مبلغ حمقهم وجهلهم، وأنهم يعبدون ما لا ينطقون: يعبدون من هو أقل من عابديه درجات؛ فتبارك القائل ﴿إِنْ هُمْ إِلاَّ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً﴾
﴿فَرَجَعُواْ إِلَى أَنفُسِهِمْ﴾ أي فكروا تفكير الراجع عن رأيه، المتبصر في حجة خصمه، المؤيد لها ﴿فَقَالُواْ﴾ لأنفسهم ﴿إِنَّكُمْ أَنتُمُ الظَّالِمُونَ﴾ بعبادتكم الأصنام؛ لا إبراهيم الذي حطمها
﴿ثُمَّ نُكِسُواْ عَلَى رُءُوسِهِمْ﴾ أي انقلبوا وعادوا إلى كفرهم؛ بعد ومضة الإيمان التي أظهرها الله تعالى لهم، وسلكها في قلوبهم: فبعد أن رجعوا إلى أنفسهم ﴿فَقَالُواْ إِنَّكُمْ أَنتُمُ الظَّالِمُونَ﴾ تغلبت أنفسهم الشريرة عليهم، وسيطر عليهم إبليس بتزيينه؛ وقالوا لإبراهيم ﴿لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَؤُلاءِ﴾ الأصنام ﴿يِنْطِقُونَ﴾ ونسوا أنهم بوصفهم هذا لآلهتهم: نزلوا بها إلى مرتبة أدنى من مراتبهم؛ بل أدنى من مرتبة العجماوات؛ وذلك لأن البهائم تنطق؛ وهؤلاء لا ينطقون. والبهائم تنفع وتضر؛ وهؤلاء لا ينفعون ولا يضرون
﴿قَالَ أَفَتَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ مَا لاَ يَنفَعُكُمْ شَيْئاً وَلاَ يَضُرُّكُمْ﴾ بل لا يستطيع نفع نفسه، ولا دفع الضر عنها: فقد استطاع إبراهيم بيده أن يوصل الضرر لسائرهم. وجعلهم جذاذاً