﴿لِّيَجْعَلَ﴾ الله ﴿مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ﴾ في صدور بني الإنسان ﴿فِتْنَةٌ﴾ محنة وابتلاء ﴿لِّلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ﴾ شك ونفاق ﴿وَالْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ﴾ أي ويجعله أيضاً فتنة للقاسية قلوبهم؛ التي لا تلين لذكر الله تعالى ﴿وَإِنَّ الظَّالِمِينَ﴾ الكافرين ﴿لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ﴾ خلاف كبير ألا ترى إلى الأمم الغربية - وقد يكونوا أبناء دين واحد - وقد ساد بينهم الشقاق، وفشت بينهم الشحناء والبغضاء، وشمر كل ساعده للنزال والقتال، وأعدوا لبعضهم ما أعدوا: من ضروب الأسلحة المهلكة المدمرة؛ فصدق عليهم قوله تعالى: ﴿وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ﴾ فهم طول العمر، وأبد الدهر؛ في شقاق وأي شقاق
﴿وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْعِلْمَ﴾ ب الله تعالى، وبدينه وآياته ﴿أَنَّهُ﴾ أي القرآن الكريم ﴿فَتُخْبِتَ﴾ فتطمئن
﴿وَلاَ يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُواْ فِي مِرْيَةٍ مِّنْهُ﴾ في شك من القرآن ﴿حَتَّى تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ﴾ القيامة ﴿بَغْتَةً﴾ فجأة ﴿أَوْ يَأْتِيَهُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَقِيمٍ﴾ وسمي عقيماً: لأنه لا يوم بعده. وقيل: هو يوم بدر؛ وهو عقيم: لأنه لا مثل له في عظمه: لأن الملائكة عليهم الصلاة والسلام قاتلت فيه، أو لأن الكفار لم ينظروا فيه إلى الليل؛ بل قتلوا قبل المساء؛ فصار يوماً لا ليلة له؛ فكان عقيماً وأول الأقوال أولى لقوله تعالى:
﴿الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ للَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ﴾ فيما كانوا فيه يختلفون
﴿وَالَّذِينَ هَاجَرُواْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ قُتِلُواْ﴾ في الجهاد ﴿أَوْ مَاتُواْ﴾ ميتة طبيعية ﴿لَيَرْزُقَنَّهُمُ اللَّهُ رِزْقاً حَسَناً﴾ في الجنة
﴿وَمَنْ عَاقَبَ بِمِثْلِ مَا عُوقِبَ بِهِ﴾ أي اقتص لنفسه. وليس المراد بذلك المجانسة في العقوبة على إطلاقها؛ فمن قتل ولدي: لم يجز لي أن أقتل ولده؛ لأن ولده لم يرتكب ما يؤثم عليه، ومن سمم ماشيتي: لم يجز لي أن أسمم ماشيته؛ لأنها عجماء لم تذنب. ولا يصح الاقتصاص منها - لو أذنبت - قيل: نزلت في جماعة من المشركين مثلوا بقتلى المسلمين يوم أحد؛ فعاقبهم المسلمون بالتمثيل بقتلاهم. ومعنى الآية: من جازى الظالم بمثل ظلمه ﴿ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ﴾ أي بغى على المعاقب، الآخذ بحقه
-[٤٠٩]- ﴿لَيَنصُرَنَّهُ اللَّهُ﴾ على من بغى عليه ﴿ذلِكَ﴾ النصر المستمد من الله تعالى؛ لأنه وحده القادر القاهر، العفو الغفور؛ ومن قدرته تعالى أنه: